الثلاثاء، 26 أبريل 2011

فصل المقال فيما فتح لوسائل الإعلام بالمغرب من مجال



"Imaginez un monde et cela aujourd'hui concevable ou gouvernants ; hommes d'affaires , groupes de pression , candidats aux élections , chefs religieux et responsables syndicaux ; informeraient directement le citoyens par le canal de son ordinateur personnel".
extrait du livre " le pouvoir des médias"  Michael Schudon page 1
" بما أن الأساس الذي تقوم به حكومتنا هو رأي الشعب ، فإن الهدف الأول يجب أن يكون هو صيانة هذا الحق ، ولو أنني خيرت بين أن تكون لدينا حكومة بدون صحف أو صحف بدون حكومة . لما ترددت لحظة في  تفضيل الخيار الأخير".
                                                                الرئيس الثالث للولايات المتحدة الأمريكية لعام 1787 توماس جيفرسون.
استهلال:
استطاع الإعلام بما له من قوة مادية ومعنوية في صناعة الرأي العام، وفي تغيير الاتجاهات والأفكار، أن يساهم بشكل كبير في الحراك السياسي والفكري، الذي شهده عالمنا العربي . وإذا كان الإعلام في المغرب حبيس التوجيهات الرسمية، ومستوى تفاعلاتها مع الأحداث الدولية والإقليمية، خاضعا لرقابة كل من وزارة الإعلام والاتصال، والهيئة العليا للسمعي البصري. فإنه بالمقابل أفرز المشهد الإعلامي ببلادنا ممارسات إعلامية بديلة، تتجه أكثر فأكثر ، نحو الاستقلالية والابتعاد عن مقص الرقيب. فكيف يمكن إذن أن نقرأ المشهد الإعلامي الوطني، في ظل التطورات الحالية ؟ وما دور الإعلام في الإصلاح السياسي ومناقشة التعديلات الدستورية، وما علاقته بالديمقراطية؟ ومن هم الفاعلون الرئيسيون أو المحتملون لإعلام أكثر نضجا في المستقبل ؟ وبأي شكل استطاعت الوسائط الإعلامية البديلة أن تؤثث المشهد الإعلامي الوطني وتشبع رغبة الجمهور وطلبه للمعلومة ؟ وهل نحن إزاء تطور متزايد للإعلام المحلي والإقليمي والجهوي ؟ .

المحور الأول : الإعلام والديمقراطية،  أية علاقة ؟

معلوم أن جوهر مهام الإعلام والصحافة ،تزويد المواطنين بالمعلومات الدقيقة والموثوقة التي يحتاجون إليها، للعب دورهم في مجتمع ديمقراطي،(1) تكون الحرية والعدالة الاجتماعية أساس التعاقد بين حكامه ومحكوميه ، لذا ارتبطت قضايا حرية التعبير والرأي بشكل كبير، بطبيعة الأنظمة السياسية،وبمدى التزامها بالمواثيق والعهود الدولية، في هذا المجال.
كما اعتبر هذا الملف دوما محكا حقيقيا واختبارا لمدي جدية تلك الدول  ونواياها حول خطاب الحكامة و الديمقراطية. كما شكل موضوع الحق في الوصول إلى المعلومة، وتقنينه بإصدار تشريعات وقوانين ضامنة له. مطلب كافة القوى الديمقراطية الحية، من ممتهني الصحافة ، والفاعلين السياسيين والجمعويين.

أولا: ثورة الاتصال في خدمة المعلومة إنتاجا واستهلاكا.

غير بعيد عن التفاعلات التي عرفتها الساحة السياسية والإعلامية العربية. وقبل ذلك بكثير، تشكل واقع إعلامي جديد، حيث أعطت ثورة ما بعد الحداثة، سلطة للعلامات والرموز، وفجرت مفهوم التمثل المعرفي، على النحو الذي يجعل المعرفة ليست تصورا للواقع بل صناعة له. على حد تعبير علي حرب. (2)  لقد قامت الثورة الإعلامية بإعطاء سلطة لتقنية المعلومات، تجاوزت بذلك تقنية المماثلة، فجعلت من المعرفة ليس فقط عبارة عن تصنيع للواقع، بل اصطناع واقع جديد عبر عمليات الحوسبة والأعلمة والرقمنة (3).
لقد شكل ظهور الانترنت  ، وسيط الاتصال في المقام الأول، انقلابا حادا في مفهوم التواصل الإنساني، من حيث تنوع الوسائل التي يتيحها، أو اتساع نطاقاته وسرعة إيقاعاته (4) . كما أتاحت شبكات الاتصال ذات النطاق الواسع ، وتطور اللاسلكي وأنظمة الهواتف النقالة(5) والذكية ، قدرات فائقة في تداول المعلومات بكافة أصنافها : مقالات، صور، صوت، فيديو....الخ، فامتدت التغطية لتشمل العالم بأسره، عبر موجات الأثير والأقمار الاصطناعية، كما مهدت تكنولوجيا الألياف الضوئية بشكل كبير للاتساع الهائل لتدفق المعلومات (6).

ثانيا: البناء الديمقراطي والفرص الممكنة.


إن بناء الديمقراطية في ظل مقتضيات ثورة الإعلام والاتصال الحالية، تستوجب ترسيخ ثقافة المشاركة في بناء القرار السياسي الوطني والمحلي، فلم يعد مقبولا تسليم أمور الحكم وقضاياه لممثلين ونخب لحظة الانتخابات فقط، بل أضحت الممارسة السياسية فعلا يوميا يمارسه الناخب من خلال عرض آرائه وبسط انشغالاته، حول مختلف القضايا التي تهمه، باستخدام وسائط الاتصال المختلفة.
فالرهان ليس في اختيار المواطن لممثله، بناء على ما يقدم له من معلومات، بل المشاركة في إنتاج المعلومة واستخدام الوسائط . ومن لم يحضر في المشهد الإعلامي ، يكن  عرضة للتضليل أو التهميش ، ما دامت الحقيقة باتت تصنع عبر الوسائط والصور والأرقام(8)
تأسيسا على ما ذكرناه، مكنت الثورة المعلوماتية الحالية ظروف ومناخ الانتقال من ديمقراطية تمثيلية عددية إلى ديمقراطية تشاركية أكثر عمقا، يشكل فيها العنصر البشري بفكره  ورؤيته قطب الرحى، يستعيد فيها سلطة المبادرة والقرار في وضع وتحقيق الأنشطة والبرامج التي تهم مستقبله.
ولتحقيق ذلك ، أفرز هذا التطور مفاهيم جديدة مواكبة ، كالتصويت الإلكتروني،  والعريضة الإلكترونية، والمرافعة عن طريق المواقع التواصلية الاجتماعية، والنقاش السياسي الإفتراضي ،، وحوار غرف الدردشة الصوتية، والمدونات والمنتديات ...الخ.

المحور الثاني : الانفجار المعلوماتي وأزمة الدولة البوليسية.

ليس بمستغرب أن يقع انهيار النظامين البولسيين في كل من مصر وتونس، ومن صار على شاكلتهما ، ما دامت هذا الانفجار المعلوماتي وهذا التطور في وسائط الاتصال في أوج قمته. لقد كان وراء ما وقع استخدام هائل ، واستثمار غير مسبوق للأنترنت، فتحول المدونون إلى مراسلين صحفيين، كما انتقلت الهواتف النقالة الذكية للعب دور عدسات الكاميرا ، وتحول " اليوتوب" إلى قناة تلفزية إخبارية. كما ساهمت المواقع الاجتماعية كالفايسبوك والتويتر في تغذية النقاشات ، وتوحيد الجهود والمبادرات وتوجيهها.
لقد وجدت أنظمة الحكم المبنية على الرقابة اللصيقة ، والمتمرسة على حبس وتعداد أنفاس المعارضين، والفاعلين في ميادين الإعلام والسياسة. وجدت نفسها متجاوزة . فالحجم الهائل من التبادل في المعلومات، وفي صنع الحدث وتوثيقه ونشره، أحجم كل فعل رقابي مسكون بهاجس التحكم والضبط. فلم يكن عجبا أن اعتبر في لحظة من اللحظات كل من الانترنت والهاتف عدو الأمن القومي المصري، فسعى النظام السياسي هناك إلى قطعهما. مع ما تمخض من خسائر مالية فادحة جراء ذلك.
كما ساهمت سيولة المعلومات في توثيق الصلات وتنسيق المواقف الجماهيرية ، إما في إطار تنظيمات جمعوية أو مؤسساتية دائمة ، أو بمناسبة التعبير عن مواقف لحظية(9).

أولا : من أزمة الإعلام إلى إعلام الأزمة بالمغرب

انتهج المغرب في بداية العهد الجديد سياسة إعلامية منفتحة، فأقدم على فصل ملف الإعلام والاتصال عن وزراة الداخلية،  وبرز على المستوى المؤسساتي كل من الناطق الرسمي باسم القصر الملكي، ووزارة الإعلام والاتصال، والهيئة العليا للسمعي البصري. كما ظهرت على الساحة جرائد مقاولة أو ما اصطلح  عليه بالصحافة المستقلة، ساهمت بشكل كبير في نقل المعلومة للقارئ والرفع من مستوى وعي الجماهير.
واستمرارا لنهج التحرر تم منح مجموعة من التراخيص للعديد من المحطات الإذاعية، وكان حلم اتساع هذا الانفتاح، كبيرا ليشمل المزيد من محطات إذاعة القرب، وإنشاء قنوات تلفزية جهوية، تقترب من هموم الشعب اليومية، وتساهم في تثقيفه وتنويره. لكن سرعان ما تبدد الحلم وانحصر ، تبعا للأجواء السياسية وما أفرزته ظروف ما بعد أحداث 16 ماي  ، وانتقال الحزب السري "حزب الأصالة والمعاصرة " إلى العمل العلني المباشر.
في المقابل تمخض عن حالة التضييق على مجال الحريات  والصحافة - من خلال المنع أوالتوجيه والتحكم في المستشهرين تارة ، أو بإصدار أحكام بغرامات مالية خيالية في حق بعض الصحف تارة أخرى- أشكالا جديدة مغايرة في التعبير والممارسة الإعلامية، فظهر الإعلام البديل كشكل من أشكال إعلام الأزمة.

ثانيا: أدوار الإعلام البديل في الانتقال الديمقراطي بالمغرب.

تمكن الفاعلون الجدد في ساحة الإعلام  من مدونين وصحفيي الإعلام الإلكتروني، ومناضلي المنظمات الحقوقية والمدنية، بالفعل من كسر جدار الصمت والقيام بأهم وظيفة للإعلام، وهي إتاحة وتوفير بنك المعلومات بشكل كافي وفي الوقت المناسب.يقول الدكتور المهدي المنجرة : "إننا عندما نتحدث عن نظام دولي جديد، في مجال الإعلام لا ينبغي أن نتعامل معه على كونه تناقل لقصاصات وكالة الأنباء، وبث للبرامج الإذاعية والتلفزية. فهذا الجانب في غاية الأهمية من الناحيتين السياسية والثقافية، لكي ينبغي أن نضيف إليه جميع المشاكل المتعلقة ببنوك المعطيات وتدفقها عبر الحدود ، التي هي مشاكل جوهرية لعالم اليوم وعالم المستقبل "(10) ومن المؤكد أن الوسائط الإعلامية المتاحة اليوم، ساهمت في صناعة الآراء والأذواق الجديدة، بعيدة عن وسائل الاتصال المألوفة والرسمية.
وأول ظاهرة تلفت الانتباه في هذا الصدد، هي التطور الهائل لمواقع الإعلام الإلكتروني، وتزايد عددها ومتصفحيها. كما شهدت جل الأقاليم والجهات  المغربية، بوابات الكترونية إخبارية وتحليلية، تناقش الشأن المحلي، وتجعل من أحداثه مواد دسمة للتحليل وإبداء الرأي بين رواد تلك المواقع. ومن جهة أخرى برز المدونون وكتاب الرأي بشكل باهر، حيث لا تخلو جهة من جهات المملكة من أقلام وكتاب وإعلاميين هواة، يشحذون أقلامهم، ويقدمون تحليلات قيمة سياسية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية. كما أن ظاهرة التعليق على الخبر الإلكتروني لا تخلو من فائدة ومن تنامي البعد التفاعلي مع ما يقدم، رغم ما يعاب على بعضه من عبارات الإساءة وسوء الأدب . دون أن ننسى كذلك تزايد أعداد متصفحي المواقع الإلكترونية، ومواقع تبادل الفيديوهات، والتي تعبر عن  ٍالرأي العام الذي يتبلور خارج منطق الاحتواء، بحيث يسير هذا الاتجاه الجديد نحو تثمين المعلومة، والحرص على تلقيها بشكل مباشر، من مصادرها الأولية، ، بعين متبصرة وروح نقدية، ومتشككة فيما يقدمه الإعلام الرسمي الموجه أو الحزبي المؤدلج.

على سبيل الختم

إن تطور أشكال التعبير والكتابة، واستمرار الوسائط الإعلامية وتطورها بشكل كبير وملفت في هذا الاتجاه، لمن شأنه أن يجعل من مسألة تحرير الإعلام الوطني، واقعا صداحا، وفعلا لا تنظيرا وانتظارا ، وممارسة يومية يساهم الكل في صنعها. وهي مسألة لا محالة لها رجع الصدى على سلوك السلطات العمومية، والتي ينبغي لها أن تواكب الثورة المعلوماتية، وتطور وسائل الاتصال، بمزيد من الانفتاح السياسي والتحرر الإعلامي. وبالتواصل المباشر للمسؤولين مع المواطنين بشكل مباشر لم لا ؟ من خلال الإجابة عن استفساراتهم وتتبع ملفاتهم. وهو أمر متيسر لتعزيز الشفافية وترسيخ دولة الحق والقانون، من خلال الحكومة الإلكترونية ، وتقديم البرامج التلفزية الحوارية الصريحة، والبعيد عن لغة الديماغوجيا التي لا تجدي نفعا، ولا تبلغ مرادا في ظل التطورات الإقليمية والدولية الحالية.
                                                                    ياسين الضوو    
                                                وحرر ببني ملال بتاريخ 23 أبريل 2011.



المراجع:

(1) دليل الصحافة المستقلة ، ديبرا بوتر ص 4
(2)  حديث النهايات ، علي حرب ص 175
(3) نفس المرجع
(4)   الفجوة الرقمية رؤية عربية  لمجتمع المعرفة ، د نبيل علي و د نادية حجازي ص 165
(5) نفس المرجع
(6) نفس المرجع
(7) حديث النهايات ، علي حرب ص 175
(8)   نفس المرجع
(9) العولمة وأزمة الدولة الوطنية، نزار الفراوي ص 112
(10) حوار التواصل من أجل مجتمع معرفي عادل ص 24

                                                                       



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لا إِله إلا انت سبحانك ربى اني كنت من الظالمين - حسبى الله لا اله الا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم - رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا ومحمد عليه افضل الصلاة والسلام نبيا - لا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم - يارب لك الحمد كما ينبغى لجلال وجهك وعظيم سلطانك - اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد عليه افضل الصلاة والسلام - سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر - حسبنا الله ونعم الوكيل - استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم