الجمعة، 15 أبريل 2011

عولمة الصمت

أكيد أن التعبير والكتابة يشكلان مخاضا هاما، وصراعا مريرا أمام عولمة الصمت، واجهة للتحدي وإثبات الذات، إنه الظهور بدل الضمور،البداية بدل العدم، الإنارة مكان العتمة، فالكتابة إذن هي ذلك التحويل الذي نمارسه على أفكارنا لتخرج من لا وجوديتها فتتولد.تتولد الأفكار والمعاني بظهور الجمل والحروف.إنها عملية الدفع بالحس الداخلي، وبالتشوش العقلي إلى مظهر من مظاهر الانتفاضة الخارجية.
تأتي هذه المقدمة البسيطة لتمهد لنا الحديث عن أزمة تحلق حولنا،تطوقنا بأحزمتها الممتدة في الماضي والحاضر،أزمة جعلتنا أشبه بالعجزة المهمشين في ساحة العلم والحضارة،وبالتالي أزمة الوجود هاته هي أزمة كتابة .

تكمن هذه الإشكالية الوجودية،والتي قصدنا من خلالها ربط الكتابة بالوجود[i] – ونحن لا نبالغ إن أقررنا هذا- منطلقين من أن أهم مؤشر تعرف به الحضارات وتبني من خلاله تراكماتها،هو فعل الكتابة. فبه تستمر هذه الحضارة أو تضمحل تبعا لإرادات أصحابها ومساهماتهم بالسلب أو بالإيجاب، ومستندين في تبنينا لهذا الرأي لمسلمة مفادها “إن الوجود الإنساني على هذه البسيطة هو وجود حضاري بالدرجة الأولى، فإما أن نكون أو لا نكون”
إن اللغة حاملة فكر، والتخاطب دال على القدرة على توظيف اللغة في خدمة هذا الفكر، والكتابة هي حالة تسجيل للخواطر والمقولات التي أبدعت لتشهد على هذا الفكر إما بالنقد أو التأويل أو التطوير، فينمو الفكر وتسمو موضوعاته، هذا بالإضافة إلا أن ما تراكمه الحضارات من كتابات يشكل منطلقات لها،في تجديدها وتنقيحها وتنميتها ،فيربط بذلك الماضي بالمستقبل ، ويقع الاتصال مكان الانفصال بين أجيال عدة، متعاقبة في الزمن أو متباعدة.

إن عالم اليوم يشهد أكثر التحولات تأثيرا على حياة الناس وأنماط تفكيرهم، ولئن استخدم الإنسان الآلة لتخفف أعباء الحياة عنه وترفهه،وأبدع الوسائل حاجة منه إلى تحسين ظروفه وأوضاعه، فإننا نرى أن هذه الوسائل عينها أصبحت تتحكم في سلوكيات وتوجهات هذا الإنسان وتحدد مصيره، مما يهدد بشكل مباشر مقولات الحرية والإرادة ،ويجعلها طوع هذه الوسائل. وبشكل أكثر وضوحا نقول: إن مؤسسات الهيمنة السياسية والاقتصادية الدولية،تستثمر كل أشكال التواصل والتعبير والإغراء، وتتفنن في نماذج تمويلها،قصد إحداث تحولات جذرية وسريعة على المجتمعات، وهذه التحولات تمس الحضارة بشكل عام كأنماط التفكير واللباس والأكل والمعمار ونظام الأسرة وعلاقات التكافل والتضامن والتربية والتكوين……الخ . فتحدث شروخا ثقافية هائلة،ويصل التأثير بطبيعة الحال إلى الكتابة . وإلا فبم نفسر ضمور الكتابة في عالمنا العربي اليوم، واستفحال أزمة سوق الكتاب والقراءة،خصوصا حينما نلحظ الغليان الشعبي، وتعدد الإشكالات ،وتعقد الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية،أي وجود دواعي كثيرة للكتابة .
إنها حالة من الإنحباس الحضاري والثقافي، تشهدها الأمة اليوم مما يستدعي ضرورة معالجتها بالخروج من مؤامرة الصمت العالمية التي أريد لنا أن ننخرط فيها ،بل وأن نصبح يوما ما من دعاة “عولمة الصمت”.

                                                       حرر يومه المرادف ل21 أبريل 2004

[i] المقصود بكلمة كتابة هنا معنى “الحضور”

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لا إِله إلا انت سبحانك ربى اني كنت من الظالمين - حسبى الله لا اله الا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم - رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا ومحمد عليه افضل الصلاة والسلام نبيا - لا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم - يارب لك الحمد كما ينبغى لجلال وجهك وعظيم سلطانك - اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد عليه افضل الصلاة والسلام - سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر - حسبنا الله ونعم الوكيل - استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم