الاثنين، 4 أبريل 2011

أي مكانة للمرفق العام اليوم؟

تعتبر الإدارة حلقة وصل مهمة لترجمة السياسات الحكومية وإرادة الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين، على ارض الواقع، كما أن للعمل الإداري مزايا ومميزات، ترتهن بها فاعلية الإدارة .ومدى قدرتها على الاستجابة الفورية لتطلعات النخبة الحاكمة، ولحاجيات المواطنين الآنية .

فالإدارة القوية والناجعة، هي تلك التي تمنح للقوانين والمقررات المتخدة، النفادية على الواقع .وبعدا إجرائيا تغيريا في حياة الناس.وإدا كان من واجب الإدارة، أن تلعب أدوارا مختلفة باختلاف سياقات اشتغالها .ما بين المحافظة على الأمن والنظام العام الضروريين لاستقرار حياة كل امة –الدور البوليسي –من جهة .فإنها بالمقابل لها أدوارا خدماتية ،كتلك التي يعجز القطاع الخاص الإتيان بها، بالنظر لطبيعتها، أو تلك التي تفرض الحاجة الاقتصادية والاجتماعية المواطن توفيرها .
كما يمكن للمرافق العمومية أن تلعب دور المراقبة والتتبع والتقويم، لحصيلة السياسات المتبعة. في مجال من المجالات، مما يحتم على صانع القرار ،مراجعة العديد من الخطط والمسارات وإعادة التفكير فيها.
فماهي ادن الغاية من المرفق العام ؟وماهي المحددات الكفيلة لضمان استمرار يته وديمومة خدماته ؟وهل نحن فعلا إزاء وضعية تراجع ادوار المرافق العامة أمام هيمنة وتنافسية القطاع الخاص ؟وهل بالإمكان الحديث عن تعايشهما في بلد يتسم بالهشاشة كالمغرب ؟
هده الورقة محاولة محتشمة منا للإجابة على هده التساؤلات.

أولا: خصائص وأدوار المرافق العامة

1-مفهوم المرفق العام
تختلف النظرة للمرفق العام باختلاف المدارس التي تناولته بالدراسة والتحليل ،فالمدرسة الليبرالية ترى أن على الدولة ألا تتدخل في الأنشطة الاقتصادية والخدماتية لأن في دلك خطر على المبادرة الخاصة. وحد من حرية اقتصاد السوق ،وبالتالي على المرافق العامة أن تقتصر على أنشطة تستحيل على القطاع الخاص .إما بسبب انعدام الر بحية فيها .أو لتكلفتها الكبيرة والتي لا يمكن المغامرة فيها كبناء الطرق، المطارات، الموانئ….الخ.أو الأنشطة ذات الطبيعة السياديةكالجيش والشرطة والقضاء…الخ .في حين ترى النظريات الماركسية أن الدولة هي أساس كل نشاط، وعلى الجميع أن يمتثل لمخططاتها الإستراتيجية سعيا وراء الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج. وبالتالي فمن واجبات الدولة اتجاه مواطنيها، إسداء الخدمات العمومية مقابل الولاء والطاعة، المتمثلة أساسا في أداء الضرائب.
وعلى العموم يمكن أن نعرف المرفق العام من خلال معنيين مختلفين.الأول معنى عضوي، يرى في الإدارة الجهة التي أوكل لها بحكم القانون تقديم أنشطة معينة وإصدار قرارات تعبر عن إرادة الجهاز التنفيذي للدولة ومعنى آخر وظيفي هو مجموعة من الأنشطة والخدمات المقدمة لأجل إشباع حاجات المواطنين في مجال من المجالات.

2- مكانة المرفق العام

 يحتل المرفق العام مكانة خاصة بين باقي المكونات المؤسساتية للدولة،فهو من جهة يترجم التصريحات الحكومية والقرارات الكبرى من خلال عمله اليومي .ومن جهة أخرى يقدم خدمات مهمة، تتوقف عليها حياة الناس، سواء كانت ذات طبيعة إدارية، اجتماعية، أواقتصادية .وبالتالي فأعمال الإدارة يمكن أن تكون رافعة نحو تحقيق التقدم والازدهار المنشودين كما أن غيابها يمكن أن يتسبب في الفوضى والتخبط داخل البلد الواحد.

ثانيا :المرفق العام ما بين الاستمرار والتراجع
  
تحكم المرفق العام عدة مبادئ وتوجهات تؤطر عمله ،وتوجهه نحو تحقيق المثل العليا والغايات التي ينشدها المجتمع .كما يتأثر المرفق العام بمحيطه الدولي والوطني فيتردد ما بين الإقدام والإحجام تارة وما بين التطوير والمحافظة تارة أخرى.

1-  بعض مبادئ المرفق العام
لا شك أن استمرارية المرفق العام ،هي إحدى دعامات النشاط الإداري ومبدأ لا يمكن تجاهله ، فالاستمرارية تعني عدم توقف الإدارة عن أداء مهمتها ،وبلوغ غاية إحداثها،مهما كانت الظروف. ومن ثم نفهم داك التشديد وتلك الحساسية الدي يسببه الإعلان عن الإضراب من طرف الشغيلة ،بالرغم من التنصيص دستوريا على هدا الحق.مخافة أن يتسبب التوقف الفجائي عن العمل، في ضياع مصالح الناس أو احتجاجهم.
المغاربة سواء أمام القانون وهم كذلك سواء أمام الإدارة ،حيث لا يمكن قبول تمييز المواطنين في الاستفادة من خدمة المرفق العام، على أساس اللون أو الدين أو الجاه.
وهناك مبدأ آخر أثار العديد من الجدل في أوساط الفقهاء وهو مبدأ المجانية. حيث منهم من لا يعتبر المرافق العامة تقدم الخدمة مجانا ،بالشكل الذي عليه. ما دام أن المواطن يقوم بأداء الضرائب ،ويفي بالتزاماته اتجاه الدولة.وآخرون رأوا أن المجانية هي شكلية أكثر منها فعلية حيث لا تتحقق إرادة الدولة وتبرز إل من خلال الخدمات الحكومية التي تقدمها إدارتها . وبالتالي لا يمكن تصور غياب المرفق العام، والدي قد يعني غياب الدولة نفسها. وآخرون يرون أن لا بد من تقييد المجانية وفرض رسوم على المواطن، حتى يمكن سد العجز الذي تتسبب فيه المرافق الاجتماعية لخزينة الدولة .

 2-إكراهات المرفق العام

   إن الانفتاح على اقتصاد السوق وتبني خيارات وإصلاحات تتماشى مع توجهات المؤسسات المالية الدولية ،والتداعيات التي نجمت مع سياق العولمة،اثر بشكل مباشر عل مرودية المرفق العمومي،وفاعليته وتنافسيته أمام القطاع الخاص وجودة خدماته أمام التوجه نحو تقليص النفقات العمومية الاجتماعية .
إضافة إلى البيروقراطية التي عقدت أعمال الإدارة وطبعت تضخمها.جعلت الدولة تتراجع شيئا فشيئا عن هده المرافق والتي كانت إلى حدود غداة الاستقلال مكسبا وطنيا واستراتيجيا لا يمكن التفريط فيه لتدخل على الخط مسلسلات التفويت بمختلف أشكاله –عقد الامتياز،الوكالة المستقلة ….- والخوصصة التي إلى حدود اللحظة لم تنجز الدراسات الأزمة لمعرفة أثرها الحقيقي على اقتصاد البلاد.اد تطفو على السطح بعض التجارب ناجحة كتفويت جزء من رأسمال شركة الاتصالات وأثره على تطور خدمات الهاتف مثلا .
إن الاستمرار في مسلسل إهمال المرافق العمومية الاجتماعية وتقليص الدعم المالي عنها والأخذ بالخوصصة إلى المدى البعيد دون رؤية إستراتيجية جماعية تأخذ في العمق البعد المتعدد للمغرب جهوريا، طبقاتيا، وحتى ثقافيا المغرب النافع ،الغير النافع ،المغرب العميق ،المغرب المنتفع… لمن شأنه تعميق أوضاع الفئات المحرومة والتي تعاني أصلا كل أشكال الإقصاء الاجتماعي مما سيندر باتساع رقعة الفقر وتراجع مؤشراتنا في التنمية البشرية الصحة ،التعليم ،السكن …الخ

إن تعزيز المرفق العمومي بمبادرات إصلاحية حقيقية كتخليق الإدارة ومحاربة كل أشكال التسيب فيها ،وإعادة النظر في وسائلها واستراتيجياتها ،وتحديثها ومدها بالإمكانات البشرية المؤهلة ،والوسائل المادية الأزمة ،سيعزز الثقة لا محالة لدى المواطن المغربي الذي لديه انتظارات بحجم كرة الثلج وسيتوق إلى رؤية مغرب أفضل ،مغرب كل المغاربة.

اشكالية التكوين والتدريب في الجمعيات بالمغرب

مقدمة البحث

تمهـــــــيد
عرفت الحركة الجمعوية بالمغرب في الآونة الأخيرة ،دينامية وحركية بفعل تنوع أنشطتها ،وتعدد اختصاصاتها .وهكذا تبلورت في السنوات الأخيرة على الساحة تشكيلات و تنظيمات يافعة ،تسعى إلى اعتماد أساليب وتقنيات جديدة ،وتصورات إبداعية في العمل الجمعوي.
وقد كان للمتغيرات السياسية الوطنية والدولية الأثر الكبير في تنامي هده الجمعيات وتطورها.فمسلسل التناوب التوافقي الذي دخله المغرب ،ومسار الإصلاحات السياسية والاقتصادية ،وتطور منظومة حقوق الإنسان العالمية ،ورغبة السلطات العامة في تعزيز المصالحة الوطنية مع الماضي وتقوية حقوق الإنسان .كلها عوامل ساهمت بشكل قوي في عودة الخطاب والممارسة الجمعويين وتجدرهما - بعد أن كانا محاصرين –  فتغيرت النظرة إلى الأدوار التي يمكن أن يلعبها المجتمع المدني وتعددت بدلك إنتاجاته ومساهماته في التخفيف من حدة الأزمات الاجتماعية التي يعرفها المجتمع المغربي.
دون أن نغفل السياق العولمي للظاهرة ،والتداعيات التي أفرزها تطور تكنولوجيا الإعلام والاتصال وتحول العالم إلى قرية كونية تتأثر مناطق بعضها ببعض ،حيث قوة المنظمات غير الحكومية ،وبروز جهات داعمة ومانحة متعددة ،واتساع أنشطتها على مستوى العالم.
أمام هده الدينامية الجديدة من تطور في الممارسة الجمعوية ،واتساع مجالات اشتغالها بات من الضروري التفكير على المستوى الرسمي أو المدني،  في تأهيل قدرات هده الجمعيات حتى تساير تطلعات المانحين من جهة ،وحتى تصل إلى مستوى الشريك لصانع القرار الحكومي في مناولة إشكالية التنمية بالبلاد بمختلف تفرعاتها من جهة أخرى .
بحيث أصبحت الجمعيات تبني مشاريع تنموية هادفة محليا ووطنيا ،مع السكان والفئات المستهدفة، وتوظف مقاربات جديدة في التعامل مع قضايا التنمية كالمقاربة التشاركية.والمقاربة المجالية،والمقاربة الترابية …..الخ وكلها أدوات تهدف إلى ضمان نجاح المشاريع المقدمة للساكنة وديمومتها،وأضحت تستفيد من الدعم اللوجستيكي والمالي والتاطيري الذي تمنحه جهات متعددة (الدولة ،الجماعات المحلية ،المنظمات غير الحكومية ،بعض المقاولات ، السفارات الأجنبية …..الخ) في إطار رؤية جديدة للتنمية تتوخى توسيع المشاركة والاستشارة في تدبيرها.
ومع التحديات التي تشهدها الجمعيات من منطلق تبني المشاريع وتسييرها،والترافع على العديد من القضايا الاجتماعية وجلب الدعم المناسب، والتفاوض مع جهات متعددة، ومتنوعة الأهداف، والاستراتيجيات.وبالنظر إلى الأدوار الطلائعية الجديدة ، أصبح  من اللازم تطوير قدرات مسيري ورواد هده الجمعيات حتى تواكب المستجدات وتستجيب للمتطلبات التي تفرضها طبيعة المشاريع المتبناة .
لقد ظهرت في الآونة الأخيرة مشاريع ذات طابع خاص وهي برامج – دعم القدرات – الغاية منها عقلنة عمليات التأهيل والتطوير والتاطير للموارد البشرية لمختلف الجمعيات محليا ووطنيا وحتى دوليا.وللغرض نفسه شهدت الساحة الوطنية موجة من اللقاءات والمنتديات والدورات التدريبية ،في عدة مجالات وفي أكثر من مكان .وهي مبادرات كان من ورائها إما جهات رسمية (كوزارة التنمية الاجتماعية ،وكالة التنمية الاجتماعية…الخ)أو مبادرات من جمعيات جعلت من التكوين الجمعوي تخصصها(كالمركز المغربي لتنمية الكفاءات ،الجمعية المغربية للتضامن والتنمية ..الخ) أو من جماعات محلية .

أهمية الدراسة وأهدافها .

تنبع أهمية الدراسة من كونها.
1.     تسعى إلى طرح الموضوع بطريقة علمية على الساحة الفكرية والأدبية
2.     تسلط الضوء على أهمية التكوين في صناعة قيادات ونخب للمجتمع المدني قادرة على النهوض بأوضاع المجتمع المغربي.
3.     تضع إشكالية التكوين في سياق التحولات المعرفية والسياسية والاجتماعية المعاصرة.
4.     تهدف إلى عقلنة عمليات التكوين المنظمة لفائدة الجمعيات، مع إبراز الأسس العلمية والتقنية المؤطرة له، أو بعبارة أخرى منهجية إعداد مخطط للتدريب.
5.     ترصد علاقات الضعف والخلل الذي تربط بين تخلف البنى الثقافية والاجتماعية والاقتصادية للمغرب، وتدني مستوى قياداته ونخبه الحزبية والفكرية بشكل عام ، وعلى وجه التحديد قيادات وأطر جمعيات المجتمع المدني.
إشكالية الدراسة
1.     ما الذي يدل عليه واقع انتشار عبارة( المجتمع المدني ) في الفكر العالمي اليوم ؟هل هو مجرد لفظ غامض أم أنه يؤشر على حدوث نقلة نوعية من الوعي والتطور التاريخيين؟
2.     كيف برز مفهوم المجتمع المدني وتطور في المجتمعات العربية الإسلامية ؟وما هي الأدوار و الوظائف التي يمكن أن يشغلها لتحقيق التنمية المنشودة ؟
3.     ما المقصود تحديدا بمفهوم التكوين أو التدريب ؟وما هي الاتجاهات والمقاربات المؤطرة له؟
4.     ما مكانة التكوين في إطار الإشكالية العامة للتنمية ؟
5.     ما المساقات السياسية والاجتماعية التي تحتضن مفهوم التكوين في تجربة الجمعيات؟
6.     كيف يمكن للتأطير والتكوين والتدريب أن يعيد صناعة النخب المحلية والقيادات الجمعوية؟
7.     ما هي المنهجية المعتمدة في إعداد مخطط تكويني لفائدة كوادر الجمعيات التنموية؟
8.     ما هي البرامج المخصصة لدعم كفاءات أطر ومسيري الجمعيات ؟وما هي الجهات التي تتبناها ؟
9.     ما هو التطبيق العملي للتكوين ودوره في نضج الواقع والممارسة الجمعوية ببلادنا؟

  منهج الدراسة
بالنظر إلى طبيعة الموضوع وتشعب روافده ،سنحاول تتبع المفاهيم المتداولة فيه،كالمجتمع المدني ،التكوين ، التدريب ، التنمية ، وتفحص المشكلات المرتبطة بها حاضرا ومستقبلا، لاستشراف آفاق العمليات التكوينية على مستقبل الجمعيات .وبالتالي سنقارب موضوع الدراسة من خلال تبني منهج دينامي ،وصفي ،تاريخي ، تحليلي ، مستعينين بتجارب ميدانية وببعض النماذج التطبيقية .لأجل امتلاك إجابات شافية حول ما هي التكوين داخل فضاءات جمعيات المجتمع المدني .
                                                              يتبع

في المسألة الاجتماعية المغربية

تشكل المسألة الاجتماعية، هاجسا حقيقيا لدى مختلف الفاعلين السياسيين والاقتصاديين لبلد ما ،على اعتبار هاجس البحث عن التوازنات الاجتماعية، ودرء المخاطر التي يفرزها سوء توزيع الثروة ،وارتفاع البطالة ،يمس أمن المجتمع، ويهدد استقراره.
ومن ثم فأصحاب القرار السياسي، يضعون نصب أعينهم ،البحث عن السياسات العمومية، الكفيلة بضمان التنمية الاجتماعية ،والرخاء السياسي والاقتصادي.
فكيف تعاملت الدولة المغربية مع المسألة الاجتماعية؟ وما هي الإكراهات التي تواجهها، للتصدي للفقر والبطالة والتهميش والأمية ؟ تم ما مدى نجاعة المؤسسات العمومية الاجتماعية، المنشئة لهده الغاية؟هل هي تكرار لمجهودات الوزارات المعنية بالملف الاجتماعي ؟تم إلى أي حد يتم التنسيق بين مختلف المتدخلين في المسالة الاجتماعية ؟أم أن المبادرات المشتتة والجهود المبعثرة هي السمة اللصيقة بمؤسساتنا الاجتماعية ؟

أولا : الدولة والمسألة الاجتماعية

مرت المسألة الاجتماعية بالمغرب بعيد الاستقلال بمرحلتين هامتين، ميزت التطورات التي لحقت بهدا الملف، والإكراهات والتراجعات التي اعترضته.
1-مرحلة تطور الاهتمام بالملف الاجتماعي
مند استقلال المغرب سنة 1956 ، والمسالة الاجتماعية تطرح أمام أنظار القوى السياسية، بإلحاح كبير. ودلك نتيجة التخريب الذي عرفه اقتصاد المغرب، من نهب للثروات من قبل المستعمر،وتكسير للبنى الثقافية التقليدية التي أفرزت حضارته وأعطت زخمها.  كالصناعات الحرفية مثلا  والتجارة الداخلية والفلاحة ….الخ. فشكلت معالجة الملف الاجتماعي  تحديا فعليا بالنظر للحاجيات الكبيرة، للسكان من تعليم، وصحة، وتشغيل وتأهيل…الخ
لقد وجدت الحكومات الأولى نفسها مضطرة للتدخل في كل الميادين قصد تأهيل مختلف مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فيها  .فاتخذت مبادراتها في الأول طابعا تدخليا صرفا. -حيث لم يكن بالامكان حينداك الحديث عن البادرة الحرة والقطاع الخاص -. وكانت الغاية منه تعزيز الاستقلال السياسي ،وتحصين سيادة الدولة على أراضيها وثرواتها .لدلك عرفت هده الحقبة من تاريخ المغرب بفترة بناء قواعد وهياكل المؤسسات الإدارية والسياسية والاقتصادية .مع اعتماد سياسة التخطيط كمنهج لبلوغ الأهداف والمرامي المقصودة.
 وكان أن اتخذت قرارات لإنشاء مؤسسات عمومية، تعنى بشكل مباشر بالمسألة الإجتماعية، كالإنعاش الوطني،التعاون الوطني ،صندوق المقاصة…الخ.
 2- مرحلة تراجع المسألة الاجتماعية
في فترة الثمانينات، وفي خضم التحولات السياسية الدولية، التي شهدها العالم، من انهيار الثنائية القطبية، وانتصار الأيديولوجية الليبرالية على المعسكر الاشتراكي. وبسبب الإكراهات المالية التي عاشها المغرب في تلك الفترة، وتوالي سنوات الجفاف ،وضعف ميزان الأداءات .كل هدا أدخل المغرب في مسلسل سياسة التقويم الهيكلي والتي دامت عشر سنوات .هده السياسة كان لها على المستوى الاجتماعي تبعات كارثية لا حصر لها ،حيث مست ولا تزال، المكتسبات التي حققها المغاربة بعيد الاستقلال، كمجانية التطبيب ،التعليم ،الولوج إلى الخدمات الأساسية .
هده التبعات كانت نتيجة مباشرة لاعتماد المغرب سياسة التقشف والتقليص من الميزانيات المرصودة للشق الاجتماعي، بحجة المحافظة على التوازنات الماكرواقتصادية.

ثانيا :نحو إرساء دعائم استراتيجية وطنية للمسألة الإجتماعية
ومع تطور النقاش في المسألة الاجتماعية، وتوصيف المرحلة بالسكتة القلبية ،بدأ التفكير مند سنة 1996 في إرساء وبناء إستراتيجية وطنية في الميدان الاجتماعي،وتعزيز المؤسسات القائمة ،بأخرى متخصصة في مجال من المجالات، أو عاملة في نطاق جغرافي محدد، أو فئوية تهدف إلى الوصول إلى الشرائح الاجتماعية المعوزة، أو تلك التي تتطلب عناية خاصة، كالمعاقين، والسجناء، على سبيل المثال .
1-تعزيز المشهد الاجتماعي بمؤسسات محدثة
ولإعطاء دفعة جديدة للملف الاجتماعي، أنشئت عدة مؤسسات عمومية جديدة، كوكالة التنمية الاجتماعية ،وكالة تنمية أقاليم الشمال ،وكالة تنمية الشرق،وكالة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لأقاليم الجنوب ،صندوق الحسن الثاني للتنمية ….الخ.
هده المؤسسات تلعب أدوارا حيوية في تفعيل السياسات الحكومية، وإرساء مقاربات جديدة، وإبداع الآليات الناجعة، إلى جانب الوزارات المعنية أو المحدثة لنفس التوجه، كوزارة التنمية الاجتماعية ،والأسرة والتضامن، كتابة الدولة المكلفة بمحاربة الأمية والتربية غير النظامية …..الخ

2-إكراهات العمل الاجتماعي : مقاربة نقدية لعمل المؤسسات الاجتماعية

هده الأدوار التي تقوم بها المؤسسات، ظلت مع دلك شبيهة للوظائف والمهام التي تقوم بها الوزارات ،فبالرغم من صفة المؤسسات العمومية  التي تتمتع بها والتي بموجبها منحها المشرع، الاستقلال الإداري والمالي. وحرية أكثر، في إبداء مرونة التعامل مع مختلف القضايا، التي تواجهها .ظلت هده المؤسسات في واقع ممارستها حبيسة تخصصاتها والنطاقات الجهوية التي تعمل فيها، مع العلم أن العمل التنموي، معقد وشائك، ويستدعي القدرة على التعامل مع منظومته، تعاملا تركيبيا لا تجزيئيا، لا يقتفي آثار الظاهر ة فحسب بل ينفد إلى لبها.
وإن كنا لا ننكر المجهودات الضخمة،ن التي تم القيام بها، من مشاريع تنموية متعددة ،واعتماد مقاربات جديدة في التعاطي مع قضية التنمية ،كالمقاربة التشاركية ،وسياسة القرب، والمقاربة الترابية، وتثمين مجهودات الفاعلين المحليين ودعمهم،ماديا وتقنيا ،قصد بلوغ الأهداف المشتركة . وغيرها من المبادرات والجهود.
إلا أننا نسجل غياب التنسيق بين الجهات المهتمة على اعتبار التنمية كما سبق القول وحدة متكاملة لا تقبل التفييئ ،وتستدعي تعبئة الطاقات والموارد المادية والبشرية، لأجل إنجاحها .
إن مساهمة هده المؤسسات في الإستراتيجية الوطنية للدولة، في المجال الاجتماعي ،يتطلب أساسا القيام بالدراسات اللازمة ،وإعداد خبراء التنمية –نموذج وكالة التنمية الاجتماعية – الفاعلين التنمويين المتخصصين ،وتسهيل عمليات بناء الشراكة،ن مع الفاعلين الآخرين، كالجماعات المحلية ،وجمعيات المجتمع المدني، والقطاع الخاص ،بالإضافة إلى رصد الإعتمادات المالية وتيسير التمويل للقيام بالمشاريع التنموية المدروسة .

لقد أثير مشكل التنسيق بين المصالح الخارجية للوزارات، فيما بينها وبينها ومختلف المبادرات التنموية، في المائدة المستديرة، المنعقدة ببني ملال. حول موضوع –الالتقائية- حيث اتخذت عدة توصيات في هدا الشأن. نتمنى أن تفعل على أرض الواقع ،خصوصا وما تتطلبه المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، من تكاثف الجهود، وتعبئة دائمة بين مختلف الإدارات ،من مصالح خارجية أو مؤسسات عمومية أو جماعات محلية أو مجتمع مدني لأجل إنجاح هدا الورش الوطني الكبير.
.
   

الجمعة، 1 أبريل 2011

الجهوية و الإصلاح السياسي بالمغرب

لا ينفك حديث الجهوية بمغرب اليوم ، عن حديث الديمقراطية التي يطمح المغاربة الوصول إليها، ولا عن رهانات الدولة في تحديث دواليبها وأجهزتها، فطيلة عقود خضعت التجربة المغربية في اللامركزية لعميات جراحية طفيفة ،تحكم فيها الهاجس السياسي والأمني ،في ظل دولة تحكمية بامتياز.
إن النقاش حول الأدوار التي يمكن أن تلعبها الجماعات الترابية بكافة مستوياتها،في ترسيخ المسار الديمقراطي ببلادنا،وفي ضمان الانتقال الذي انتظرناه كثيرا من نمط تدبيري قائم على الوصاية من قبل وزارة الداخلية ،إلى أخر حر ومسؤول أمام المواطنين والكتلة الناخبة.هو نقاش يمس جوهر السلطة السياسية وبنيتها في المغرب. لذا كان من الطبيعي أن تستلزم المرحلة الراهنة مراجعة دستورية في إطار الإصلاح السياسي الشامل.
إن إصلاحا بهذا الشكل ،وفي هذه الظرفية التي تتسم بتسونامي سياسي هز أركان النظام السياسي العربي ،يتطلب بالإضافة إلى تعبئة جماهيرية ومشاركة سياسية واعية ،خلق مناخ سياسي ميزته الانفتاح وعدم التمييز بين مختلف الفرقاء السياسيين مهما كان حجم الخلاف معهم. فهو أمر يهم مستقبل البلد ،وأمنه وكيانه.
وللإصلاح والتغيير الديمقراطي المنشود لا محالة رجع الصدى ،على ترسانة من القوانين والتشريعات الحالية،حيث تستدعي من الإصلاحيين والقوى الديمقراطية مراجعتها،حتى تواكب التصورات الجديدة في الممارسة والحكم.
المرحلة تتطلب كذلك يقظة فكرية ،ونقاشا جادا ومسؤولا ،يشكل قطيعة مع الماضي وممارساته،ومع البنيات التقليدية التي تمارس فيها السياسة بعقلية الوصاية سواء تلك المقننة بنصوص تنظيمية ،أو الوصاية بحكم العرف المؤطر بالممارسة التاريخية للحكم وبالمعطيات السوسيولوجية التي تتحكم في المخيال الشعبي.
لقد مارست السلطات المحلية والإقليمية وبعدها الولائية ،على امتداد التاريخ السياسي للمغرب الحديث،وصايتها على الإرادة الشعبية بشكل فج،أفقد الممارسة الانتخابية الديمقراطية معناها،أثارت أسئلة محرجة حول الغائية والجدوى من الانتخاب ومن الترشح والمشاركة في تسيير المجالس المحلية .في ظل رقابة قبلية وبعدية للأسف رغم حضورها واستنادا إلى تقارير المجالس الجهوية للحسابات لم تقطع مع الفساد الإداري والمالي،بحكم التواطئ الخفي بين الأطراف في صيغة توازنات من قبيل (تكشف لي نكشف ليك،إوا خبي علي نخبي عليك). فلن تفرز رقابة حقيقية حول أسئلة الشرعية والمشروعية القانونية لقرارات هذه المجالس،بقدر ما كانت رقابة ذات طبيعة سياسية ،تفصح عن آلية في الحكم تحاول الهيمنة على الحقل السياسي،من خلال التحكم في النخب ،ومناولة مبادراتها،وتحجيم دورها ،وضرب استقلاليتها.وهي أثر عن سبق لسلوك كان للدولة خصوصا في عهد إدريس البصري الوزير السابق في الداخلية ،يتم فيه التحكم فيما تفرزه صناديق الاقتراع من خلال صنع الخريطة السياسية،بالتزوير الفاضح والمباشر لإرادة الناخبين. وقد امتد هذا السلوك وإن بطرق أكثر ذكاءا ودهاءا من خلال الحزب السري.
وقد يتبادر إلى الذهن سؤال عن مدى توفر المناخ الفكري والسياسي، لدى النخب المحلية والوطنية،المفضي إلى تحقق شروط الحكامة الإدارية والاقتصادية لدى هذه النخب أثناء توليها للمسؤولية ،واشتغالها على ملفات الشأن العام؟ألا تؤثث فئة الأعيان والتجار ورجال الأعمال ،المشهد السياسي المحلي في جمع سافر ما بين المصالح الاقتصادية والمنافع الشخصية ،والممارسة السياسية الانتدابية ؟ مما يشكل جمعا ما بين الثروة والسلطة ويجعل الثانية في خدمة الأولى، ويعرض الصالح العام لخطر محدق.ومن جهة أخرى نتساءل كيف تمارس السياسة في المغرب محليا وجهويا؟هل بالحوار الدائم والمقنع مع الجماهير الشعبية والرامي إلى توعيتها،والنهوض بقضاياها الفكرية والاجتماعية والاقتصادية؟أم بتحريك أجندة الأموال وممارسة النفوذ،والسمسرة الانتخابية والوساطات العائلية والقبلية؟ ثم ما حجم تنزيل السياسات العمومية على الواقع،وما أثر البرامج والمبادرات السياسية السالفة على حياة الناس في ظل سيادة نوع غامض من المقاومة،يجعل أي سياسة عمومية ،سواء اتفقنا معها،أو اختلفنا في ثناياها،في منأى عن بلوغ أهدافها ومراميها،فتتبدد الأموال وتهدر الجهود.هل نحن أمام تأكل لقنوات تصريف هذه السياسات،تتجه إلى إفراغ العمل الوطني من كل مضمون؟أم أن السياسة لدى قسط لا يستهان به، ممن تولى المنابر من النخب المحلية، ترادف القدرة على البقاء أطول مدة ممكنة ،وأن مزاجها العام هو مراكمة الثروات أولا ،باستغفال الجماهير، وبالتلاعب بآمالها ،وأحلامها، بدل خدمة المشروع التنموي للساكنة.
إن ما يميز النقاش السياسي الحالي،هو بحثه عن ضرورة إقامة آليات تصريف السياسة،وضرورة اتفاق مكونات المشهد السياسي الوطني بكل أطيافه وخلفياته الثقافية،والفكرية والسياسية، على ميكانزمات التداول السلمي الحضاري على المسؤولية،تداول مبني على البرامج السياسية المتمايزة بين المتدخلين،لا تلك المبنية على توافقات هشة وتحالفات مشبوهة وكأن ممارسة السلطة غاية في حد ذاتها.هي ديمقراطية تنتقل من الولاء للمال إلى الولاء للشعب ،وتمنع الجمع بين السلط،وتربط المسؤولية بالمساءلة،وتخضع للرقابة الشعبية من خلال مؤسسات مستقلة،وتضمن تفادي التسلط والجور والاستبداد،وهو نقاش جوهري،به تتحدد قواعد اللعبة السياسية على أسس سليمة،وهو نقاش له الأولوية الكبرى وسابق عن أي نقاش حول المضامين السياسية التي يحملها الفرقاء،إنه تفكير في سؤال كيفية تصريف السياسة ؟ قبل بسط وعرض الأفكار والإيديولوجيات السياسية.
إن مدار حديثنا من خلال هده الورقات يدور حول كيف يمكن تصور آليات تصريف الفعل السياسي من خلال ورش اللامركزية والجهوية المتقدمة؟ وسننطلق في تحليلنا من مضامين تقارير اللجنة الاستشارية حول الجهوية المتقدمة ورؤيتها للعمل الجهوي المتقدم.
يتبع

دمنات والجغرافيا السياسية الحيوية

إدا كانت مهمة التاريخ عند ابن خلدون هي توصيف الاجتماع الإنساني ،الذي هو العمران، بحيث لم يقتصر فقط بالبحث عن أسباب العمران ،بل تعداه إلى تمحيص التاريخ وحوادثه، فإن مهمة هذا التاريخ بالنسبة لأبناء دمنات ،هو أن يكون مصدرا للعزة والكرامة والافتخار،فهو القوة الدافعة للشعور العصبي الدمناتي (نسبة إلى العصبية الخلدونية والتي ترادف اليوم القومية ).
التاريخ بدمنات ليس فقط حكايات،وحوادث مبنية على الظن والتخمين،ولا هي دروس للاستئناس والترف الفكري والعلمي كما لدى البعض، – إذ جعل من تاريخ دمنات مفتاحا لفهم التاريخ الوطني في أدق تفاصيله وأعقد حقبه (كالقرن التاسع عشر) -،بل هي شواهد كامنة في الجسد الدمناتي ، مستفزة للضمير الجمعي بالمدينة، ناطقة بالحال وطامحة لتغير الأحوال.
فلا داعي إذن للتبرم والخوف من دعاوى العصبية والعنصرية التي يلحقها البعض على عواهنها على أبناء دمنات الصامدة، فالعصبية بحسب مؤرخنا ابن خلدون هي عصب الأمم،وقد قال فيها : كلما كان الأفراد غارقين في العصبية أكثر ، كلما كان دفاعهم عن قبيلتهم أشد،والعكس بالعكس، فالعصبية بهذا المعنى مفهوم ارتباط وتجل، تعبر عن انتماء المجموعة للأرض وللأفراد. وبقدر ما اتسعت الأخطار والتهديدات بمجموعة بشرية وبمصالحها، يكون التحام المجتمع بكافة طبقاته الاجتماعية، ويكون إقدارهم على القيام بأعمال للدفاع عن الارض والوطن والقبيلة.
فلا حرج إذن من النظر إلى مشروع الجهوية المتقدمة ، كما خلصت إليه أشغال اللجنة الاستشارية، كتهديد لموقع هذا الكيان الجغرافي الصغير المسمى دمنات، ضمن خريطة الوطن الأم.إلا أننا ومن هذا المنطلق ، ومساهمة منا في هذا النقاش نبدي الملاحظات التالية :
الملاحظة الأولى: دمنات والتقطيع الترابي
اعتمد تقرير اللجنة الاستشارية في مسألة التقطيع الجهوي للمملكة، جملة من المعايير التقنية الموجهة للتقطيع الجغرافي وهي : الفعالية والتراكم والتجانس والوظيفية والقرب والتناسب والتوازن…..الخ. فأفرز تقطيعا ب 12 جهة للمملكة ، تختلف عن تقسيم 1997 ، وكان الغرض خلق أقطاب اقتصادية كبرى ، وتحقيق التوازن بين جهات المملكة ما أمكن، إلا أنه أستند في عمل ذلك على الشبكة الإدارية الإقليمية والجمعاتية القائمة حاليا، فهو لم ينشغل بإعادة توزيع المجالات الترابية المحلية وتجديدها، بل جعل ما أسماه التراكم القائم، والاستفادة من تقاليد عريقة للمملكة في اللامركزية الإدارية، نقطة انطلاق أشغاله. وبالتالي فسؤال الموقع الإداري لمدينة دمنات كما الشأن لمدن أخرى له سياقات أخرى ، ومجرى تدابير إدارية وسياسية سابقة، وهذا لا يمنع بطبيعة الحال إعادة التفكير في أنجع الطرق التي تخدم مستقبل هذه البلدة.
الملاحظة الثانية : دمنات ومجالها الحيوي
طبعا للجغرافيا لغة ومنطق خاص، ولها أدوار مصيرية في تحديد سياسات الدول ومجالها السياسي، وتبادلاتها الدولية، وعلاقاتها الخارجية، كما تشكل بالنسبة للمدن كذالك، هواجس وتحديات، فإما أن تكون الجغرافيا محفزة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية كما هو شأن المدن المستقطبة ،وإما أن تكون عائقا لتطور المدينة ولتنافسيتها الاقتصادية ،فتصير مدنا مولدة للهجرة، فاقدة للجاذبية والاستثمار.
كما أن للوقائع التاريخية والحضارية، تأثير على البنى الثقافية والذهنية والنفسية للساكنة . وفي تفاعلها مع حواضر ومدن أخرى ،فيقع الاندماح أو يستعصي ، بحسب قوة وحجم العلاقات والروابط التي تبنى معها، وبحسب تفاعلات الساكنة مع قضاياها التنموية والإدارية والسياسية. وهنا نطرح التساؤل التالي: ماذا يعني الإلحاق من عدمه؟ أي إلحاق مدينة دمنات إداريا بالعمالات المحيطة بها، كقلعة السراغنة أو أزيلال أو مراكش أو تحناوت أو بن جرير ….الخ.هل يعني ذوبان مجال جغرافي ما في مجال آخر وتبعيته له؟ وبالتالي هل سنتحدث هنا عن تهديد ما لمدينة دمنات في كيانها ، وحضارتها ،وهويتها،وتجارتها ونسيجها الاجتماعي…..الخ.أم أنه استتباع إداري فقط بخلفيات أمنية ليس إلا؟؟؟…..لا يفقد لهذه المدينة “عصبيتها” ولا يهتك هويتها وبناها الثقافية والفكرية،إلا بقدر قابلية نخبها وسكانها للوقوع في ذلك.ثم أليس من المجحف أن ننظر إلى مدينة دمنات نظرة المتوهم المنتظر، لقرار هنا أو هناك؟ وأقصد قرار إلحاق دمنات ترابيا بعمالة مراكش، أو أمل توسيع طريق دمنات ورزازات، وانتعاش السياحة الجبلية في هذا المحور. أليس من الواقعية أن نتدارس الإمكانات الذاتية للمدينة، ونتدارك انتقال الثروة والمال الدمناتيين للاستثمار وجهة مدن كمراكش وبني ملال؟أليس من الأجدى أن ننطلق من الموجود دون انتظار الذي سيأتي أو لا يأتي؟
إن نظرة متفحصة في المجال الجغرافي والعمراني، الذي نحيا فيه بمدينة دمنات ، نظرة متفاعلة وحية ستأخذنا إلى أن لمحيط دمنات ، ومجالها الحيوي ،خصائص ومميزات ونقاط قوة كثيرة ، تحسد عليها. فطوال تاريخها وحاضرها شكلت ولا تزال نقطة تماس ما بين السهل والدير والجبل، إنها مونغرافيا لا مثيل لها، حيث نجد أراضي أولاد خلوف والدراع وأمضغوس والحمادنة وسور العز والصهريج وواركي…. تمثل الأراضي المنبسطة،كما نجد أراضي ايت معلا وتاودانوست وايت فلالاض وأنزو…. تمثل الدير وما يعنيه من خصوبة للتربة وإنتاجية عالية، كما أن ايت امكون وايت ابلال وايت اومديس…. تشكل الحزام الجبلي وخزانا هائلا للموارد المائية.
كما عملت دمنات على الدوام على الدمج والامتزاج بين أصناف وإثنيات مختلفة ذات أصول عربية وصحراوية وأمازيغية وسوسية، شكل فيها الجبل خصوصية ثقافية وحضارية متميزة .
الملاحظة الثالثة: الواقع الدمناتي ما بين تغييره والتغير به
إن أهم ما يشكل ثروة المدينة وغناها بالإضافة إلى المجال الطبيعي والجغرافي، هو إمكانها البشري. فالساكنة النشيطة بدمنات وأطرها،سواء من بالداخل أو بالخارج وعلى اختلاف فئاتهم العمرية ،هم عصب أي تحول في المستقبل ، خصوصا الشباب منهم فهم القادرون على تغيير محيطهم، والتأثير في الظروف السياسية والاجتماعية التي تتحكم فيهم،وذلك بالمبادرة الخلاقة، وبالمشاركة في تسيير الشأن المحلي، وتطوير بنياته الاقتصادية ومن خلال تنمية كفاءاتها وخبراتها وكفاياتها الحياتية، لتنتقل من مجرد المطالبة باقتسام الثروة، إلى التفكير أبعد من ذلك ، في خلقها. ومن انتظار السياسات التنموية إلى الفعل فيها وبنائها.
وأما التغير بالواقع وهو حال اليوم، فنقصد به عدم القدرة على الفعل والتفاعل الإيجابي، وأن يظل الإنسان حبيس أفكاره وانتظاريته،ورؤيته اليائسة للواقع،فيصبح رهينا للماضي والتاريخ والأمجاد،وللحاضر في شكله الثابت لا المتغير.
الملاحظة الرابعة : أدوار النخب المحلية في رسم خريطة مستقبل دمنات
شكل موضوع التنمية وتفعيل مقتضياتها بالنسبة للدولة ومؤسساتها تحديا ملحوظا،فهي ركيزة من ركائز الاستقرار السياسي والاجتماعي،لذا انخرط المغرب منذ 1957 تاريخ إعلان المغفورمحمد الخامس عن الإجراءات التنظيمية للإستحقاقات الانتخابية الجماعية، في تجربة اللامركزية، كأداة لتفعيل سياسة القرب ، وتمكين المواطنين من خدمات المرفق العمومي،فتمت أول تجربة انتخابية محلية (بلدية وقروية) لمغرب ما بعد الاستقلال في 29 ماي 1960،إلا أن التجربة في مجملهاعرفت عدة تعثرات عرقلت بلوغ الأهداف المتوخاة منها،أهمها مدى إشراك السكان في تنمية مناطقهم،من خلال المساهمة في تشكيل المجالس المحلية ،وفي صياغة المخططات التنموية،والبرامج والمشاريع الملائمة. ولعل الإكراه الذي نرصده في جماعات دائرة دمنات،هو غياب النخب ذات الكفاءة العالية،والمؤهلة لقيادة سياسات تنموية حقيقية، تستجيب لتطلعات السكان،فبرز الأمي رئيسا للجماعة، و( البورشوازي) موظفا بها ، والسماسرة وسطاء بين الدولة والمجتمع. فكانت النتيجة أن غابت المصلحة العامة وسط هذا السوق.
ولتجاوز هذه العقدة،واعتبارا لكون الديمقراطية لا تتحقق إلا بثقافة سياسية مشاركة، وبإنسان يمتلك نظرة واضحة حيال ما يجري في مجتمعه و مؤسسات دولته، وفي محيطه وجماعته، وبالنظر إلى تطورالساكنة وتجذر وعيها، وبروز نخب محلية جديدة من الشباب،(أساتذة،موظفين،حرفيين،تجار…..).أصبح من الازم أن يأخذ الجيل الجديد من الدمناتيين،زمام المبادرة، وأن يتقدموا للمساهمة في تسيير الشأن المحلي لبلدتهم.
هذه رؤى وتطلعات، لعلي أساهم من خلالها في تنمية الوعي بقضايا الشأن المحلي بدمنات ،وأغني بها النقاش الدائر حاليا، إن وفقت فهو من فضل ربي،وإن أخطأت فمن نفسي .والله ولي التوفيق.
ياسين الضوو
yassinedow@gmail.com


قول في الإصلاح السياسي بالمغرب


ان ما يحز في النفس حقيقة هو ان هذه الفترة من تاريخ المغرب هي من الناحية التشريعية هي من ازهى الفترات ، ففيها عرف المغرب ما يشبه الثورة، فإلى حدود الساعة تمت مراجعة ترسانة من القوانين وهي على سبيل الذكر : مدونة الاسرة ،قانون المسطرة الجنائية ،قانون حماية المستهلك، قانون الانتخابات ، قانون الاحزاب، ظهير الحريات العامة ، الميثاق الجماعي مدونة السير ،قانون البيئة ….الخ. وبالمقابل شهد المغرب عدة ، اوراش ومبادرات أهمها : المبادرة الوطنية للتنمية البشرية،احداث وكالات للتنمية سواء المختصة ببعض الجهات كوكالة تنمية أقاليم الشمال أو الجنوب ، أوعلى مستوى القطر كوكالة التنمية الاجتماعية ، هذا دون ان ننسى العديد من المخططات المحكمة التنظير : المخطط الازرق ، المغرب الاخضر ، مشروع الطاقات المتجددة ، البرنامج الاستعجالي لاصلاح التربية والتكوين ،…..كما عرفنا احداث العديد من الهيئات أهمها اللجنة المركزية لمحاربة الرشوة ،المجلس الوطني لحقوق الانسان ،المعهد الملكي للثقافة الامازيغية ،معهد للفكر الاستراتيجي والدراسات والابحاث ..الخ ورغم هذا المجهود الهام والاستثنائي والذي ميز المغرب عن سائر بلدان المنطقة .واقع المغرب لا يتململ الا بطيئا بطيئا ترى لماذا ؟
لا يمكن لنخب -ارتبطت بالدوائر الحكومية والادارية والحزبية ارتباطا انتفاعيا محضا -ان تسوق لهكذا مبادرات وان تتفتعل معها،الا بقدر المزيد المزيد من الامتيازات التي تحصيها لنفسها وقد لاحظنا ونحن نعيش هذه الفترة الحالية كيف راوغت هذه الدوائر في تحملها لمسؤولية الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الراهنة.
أين يكمن الخلل إذن ؟ فلدينا أرفع النصوص التشريعية والقانونية ،ونحن أذكى شعب في العالم،ونتوفر على موارد مالية مهمة ، وعلى أصدقاء لا يبخلون علينا وقت الحاجة ، ونتوفر على مصداقية على المستوى الدولي، وصلت حد الشريك المتقدم مع الاتحاد الاوروبي .
انه تعثر ورش الاصلاح السياسي ، والقفز على مقومات التنمية السياسية التي تربط نجاح المبادرات باتساع دائرة الانخراط والتعبئة والمدخل لحصول المراد في نظرنا يكون من خلال ما يلي :
1- التصدي للقوى التي تقاوم جميع هذه المبادرات التي تمت سابقا والقادمة فيما استقبل من أيام وهي جيوب ولوبيات في النظام نفسه استئمنها صاحب الجلالة محمد السادس أمر تنفيذ السياسات العمومية وأقسمها على الوفاء والتضحية للوطن ولم تكن في المستوى.
2-تجاوز واقع تواجد أحزاب سياسية مترهلة فاقدة للثقة من الشعب، نتيجة السلوك الانتهازي والنفاق السياسي الذي يطبع منتسبيها، بأحزاب سياسية جديدة .
3-تجديد النخب الاقتصادية بتقوية تلك التي لا تعتمد على مقدرات الدولة والتوددللسلطة لبناء رساميلها ، فالتنافس الاقتصادي الحالي وشروط الانتاج داخل المقاولة لا يسمح بتكوين برجوازية وطنية مستثمرة ونظيفة.
يحتاج المغرب لتجاوز هذه النازلة، ليس فقط لدستور جديد يفصل السلطات ويقوي المسار الديمقراطي ، بل كذالك لشروط سوسيولوجية جديدة ترفع من شأن الطاقات الشبابية ، وتعترف بالكفاءة ، وتتميز بالغيرة الوطنية . ولن يتأتى ذلك إلا بثورة للشباب مع مبادرات الملك الاصلاحية، وقد التقط الشباب الإشارة من خلال الخطاب التاريخي ل 9مارس 2011 ،ومطلوب الان ان ينتظم في شكل مجموعات ضغط حقيقية ، تقوم الإصلاح وتوجهه،وترفع من شأن المكتسبات، وتسعى إلى تحصينها.المطلوت ثورة يكون قوامها ، لن نقبل بعد الان “بالشلاهبية ” فيما بيننا ولا بالمنافقين وتجارالماسي.
لا إِله إلا انت سبحانك ربى اني كنت من الظالمين - حسبى الله لا اله الا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم - رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا ومحمد عليه افضل الصلاة والسلام نبيا - لا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم - يارب لك الحمد كما ينبغى لجلال وجهك وعظيم سلطانك - اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد عليه افضل الصلاة والسلام - سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر - حسبنا الله ونعم الوكيل - استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم