السبت، 14 مايو 2011

"أرحبي ن دمنات"


"تيمط ن دمنات" هكذا كانت تردد الجدة الحاجة زهرة رحمة الله على روحها الطيبة، كلما ذكرنا في حضرتها حي أرحبي بدمنات ، وهي تعني بذلك أن أرحبي بالنسبة لها، كحي تاريخي من أحياء مدينة دمنات هو بمثابة " السرة " للجسد. بالنظر لموقع هذا الحي في البناء المعماري والهندسي للمدينة.
لكن وبالعودة إلى المصادر التاريخية، نجد أن دمنات كتجمع سكاني وجزء من قبيلة "إنولتان" كانت تتكون من ساكني الداخل أي داخل الأسوار وهم أيت يحيى، ومن تجمعات سكانية أخرى تسكن خارج القبيلة وهم أيت واودانوست.
وقد ذهب المؤرخ أحمد توفيق إلى اعتبار أن أيت يحيى هي التي سميت فيما بعد ب "أرحبي" . وبهذا المعنى فأرحبي هم سكان دمنات داخل السور، يقابلونهم سكان القصبة، الذين لم يكونوا سوى سكان الحي الإداري بالمعنى المعاصر والذي يضم قصر عامل دمنات وأسرته وأصهاره ، وخدمه وحاشيته.وكذا مساكن المخازنية. لذا ليس من الغرابة أن نجد على ضفة القصبة الشرقية ، رياض القايد وفي الجهة المقابلة " جنان المخزن".
إلا أننا نميل في هذا الباب إلى معنى آخر لأرحبي، وهو معنى متداول بين ساكنة القصبات التاريخية التي نجدها في كل من ورزازات وتافيلالت. إذ نجد من مكونات معمار القصور وفضاءاتها، بالإضافة إلى الباب الرئيسي ، وهو مقدمة ولوج القصبة، والمسجد و"تاخزانت نتقبيلت " أي المخزن والبئر الجماعي. نجد كذلك أرحبي وهو عبارة عن فضاء رحب وواسع في المدخل الرئيسي للقصر ، يخصص للتجمعات العامة للقبيلة، وفيه تقام الحفلات في المواسم والأعياد.

وبالنظر إلى ما كانت عليه الأسوار بالمدينة من هندسة معمارية فريدة وصفها الراهب شارل دوفوكو الذي مر بدمنات ( 1883 - 1884 )  بقوله : " إن دمنات محاطة بسور مستطيل الشكل، جذرانه ذات شرفات ، و هي مزودة بمصاطب للرماة ، و مجنبة ببروج ، و الكل في حال جيدة ، لا خرق فيه و لا تحطيم . و تمكن ثلاثة أبواب من الدخول إلى المدينة . أما القصبة فلها سورها على حدة "
فإلى أي حد يمكن لنا القول أن ساكنة دمنات كانت تعيش في ظل قصر كبير ذي أربعة أبواب كحال القصور الموجودة بالجنوب؟ .

مما يعزز الإجابة باحتمال ذلك لدينا ، اضطرار أهل أرحبي "تيمط ن دمنات" إلى تحطيم المنار العالي للمسجد الجامع بأرحبي وجعله قصيرا، بسبب استغلال السياب له أثناء مهاجمتهم للدور المجاورة له ، ومعلوم في العمارة الإسلامية أن المسجد يشكل القلب النابض في هندسة المدن العتيقة . بالإضافة إلى أنهم تحملوا الجزء الأكبر من نفقات بناء سور مدينتهم. يقول التوفيق في الصفحة 147 ، المجتمع المغربي في القرن التاسع عشر إنولتان 1850/1912 : " في عهد علي أحدو أمر سيدي محمد ببناء سور لمجموع دمنات، بعد أن كان السور يحيط بالقصبة وحدها – والمقصود هنا سور موسى نسبة إلى موسى بن نصير والذي يحيط بالقصبة المخزنية- وذلك بعد أن استهدف النهاب أسواق دمنات مرات عديدة، وأنفق على بناء السور وأبراجه من أحباس مسجد دمنات، ودفع فيه أهل أرحبي سبعين مثقالا لكل دار".
من هنا يمكن أن نعتبرأن ساكنة دمنات كانت تعيش في نمط معمار مغاير لما نتصوره، هندسة تقع ما بين "تغرمين" أي الدار الكبيرة المبنية بالحجارة أو الطوب، والقصور الصحراوية التي تميز واحات دادس. فكان هاجس السكان في إقامة هاته العمارة، هوالأمن من الهجمات المحتملة من الخارج ،من خلال تعلية أسواره ، وتخصيص أبراجه بحراسة مشددة ، ومن تم ففضاء هذا القصر الكبير الرحب هو "أرحبي" كمجال لتجمع القبيلة في سطه، ومتنفس لسكانها.
لا عجب إذن من أن هذا الفضاء عينه كان ولا يزال إلى يومنا هذا، يعج بالحركية وبالباعة المتجولين، ويعمر بحيوية الأطفال وبشغب الصبيان، في انسجام تام مع الحمامين التاريخيين والمرافق الأخرى، ومع فضاء المسجد " مسجد أرحبي" التاريخي.   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لا إِله إلا انت سبحانك ربى اني كنت من الظالمين - حسبى الله لا اله الا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم - رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا ومحمد عليه افضل الصلاة والسلام نبيا - لا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم - يارب لك الحمد كما ينبغى لجلال وجهك وعظيم سلطانك - اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد عليه افضل الصلاة والسلام - سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر - حسبنا الله ونعم الوكيل - استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم