الأحد، 1 يناير 2012

ورقة حول الأنتروبولوجيا الاجتماعية و علم التاريخ

تمهيد :
اتسمت الأنتروبولوجيا منذ انبثاقها كفرع من العلوم الإنسانية والاجتماعية بتعدد الدراسات والاتجاهات التي تناولتها .
كما اتسعت مجالات الدراسة الأنتروبولوجية وتداخلت مواضيعه مع باقي موضوعات العلوم الأخرى ، ولاسيما علوم الأحياء والاجتماع والفلسفة والتاريخ . كما تعددت مناهج البحث الأنتروبولوجي النظرية والتطبيقية ، تبعا لتعدد تخصصاته ومجالاته.
فما هي الأنتروبولوجيا ؟ وما هي موضوعاتها ؟وما الفرق بينها وبين الإثنولوجيا ؟ وكيف يمكن أن نفهم حاجة علم التاريخ لمثل هذا الحقل المعرفي ، وما الثراء الفكري والعلمي التي يمكن أن تقدمه الأنتروبولوجيا عند محاولة دارسي التاريخ إعادة كتابته ؟ ثم ما أهميتها بالنسبة للمهتم بالتاريخ الجزئي على وجه الخصوص؟

ما هي الأنتروبولوجيا؟
يشار دوما إلى كون الأنتروبولوجيا هي علم الإنسان وهو تعريف أدق وشامل لكنه لا يحجب إشكالية وصعوبة تحديد تعريف موحد بين الباحثين وعلماء الأنتروبولوجيا، حيث انطلق كل واحد منهم من مدرسته التي ينتمي إليها في تدقيق المفهوم وحصر مجالات اشتغال الانتربولوجي.
 واعتمادا على التعريف الذي أورده الدكتور فهيم في كتابه "قصة الأنتروبولوجيا " نقلا عن د شكري سليم نعرف الأنتروبولوجيا كالآتي:
الأنتروبولوجيا هي علم دراسة الإنسان طبيعيا واجتماعيا وحضاريا.
يستشف من خلال هذا التعريف ثلاث تخصصات للأنتروبولوجيا : الأنتروبولوجيا الطبيعية الأنتروبولوجيا الاجتماعية الأنتروبولوجيا الثقافية.

موضوع علم الأنتروبولوجيا:
اختلفت مجالات الانتروبولوجيا بحسب أقسامها فنجد أن:
الأنتروبولوجيا الفيزيقية أو الطبيعية تهتم بدراسة الجانب العضوي للإنسان ومن جملة مواضيعها : الوراثة ، التغذية، الإختلاف بين الجنسين ، التشريح المقارن، فيزيولوجيا الأعراق، ونظريات التطور الإنساني.
الأنتروبولوجيا الاجتماعية تهتم بدراسة السلوك الاجتماعي الذي يتخذ في العادة شكل نظم اجتماعية كالعائلة ونسق القرابة والتنظيم السياسي، والإجراءات القانونية ، والعبادات الدينية وغيرها سواء في المجتمعات المعاصرة أو في المجتمعات التاريخية.
الأركيولوجيا الماقبل التاريخ وهو فرع من الأنتروبولوجيا أو ما يصطلح عليه بالاثنولوجيا عند الفرنسيين علم مهمته إعادة كتابة تاريخ الشعوب والثقافات من خلال الأدلة المادية والمشاهدات ونتائج المسوحات والحفريات الأركيولوجية.

منهج علم الانتروبولوجيا:
من بين السمات والخصائص التي تنفرد بها الأنتروبولوجيا عن باقي الحقول المعرفية الأخرى ، الأخذ بمنهج المقارنة الواسعة فهي تسعى في تعميماتها إلى مقارنة النظم وأوجه النشاط الإنساني، موضع البحث عبر الأماكن وعبر الأزمنة .

الأنتروبولوجيا والإثنوغرافيا أية علاقة؟
إذا كانت الإثنوغرافيا تعنى بتوصيف أسلوب الحياة ومجموعة التقاليد والعادات والقيم والأدوات والفنون ، والمأثورات الشعبية لدى جماعة معينة أو مجتمع معين خلال فترة زمنية محددة. فالأنتروبولوجيا الاجتماعية بتعبير الإنجليز أو الثقافية عند الأمريكيين أو الإثنولوجيا في اصطلاح الفرنسيين هي تلك الدراسة التحليلية والمقارنة للمادة الإثنوغرافيا ، بهدف الوصول إلى تصورات نظرية أو تعميمات بصدد مختلف النظم الاجتماعية الإنسانية من حيث أصولها وتطورها وتنوعها.
وعلى هذا الأساس فالمادة الإثنوغرافية قاعدة أساسية للباحث الأنتروبولوجي أو الإثنولوجي.
فإذا كانت الأنتروبولوجيا الاجتماعية والإتنوغرافيا تهتمان بنفس الموضوع مثلا المجتمعات البدائية ، فإن أهداف كل من هذين العلمين مختلفة تماما ، ويصعب بالتالي التحديد الدقيق لكل علم .فمهمة الإثنوغرافيا الاشتغال غلى تصنيف الساكنة على أساس الخصائص العرقية والثقافية ومحاولة تفسير توزيعها في الحاضر والماضي على المجال ، وتتبع تنقلاتها ورصد درجات التمازج ولحظة انبثاق الثقافة. حيث تبرز هنا أهمية الأرشيف التاريخي.
وللتوضيح أكثر نستدل بالمثال الذي أورده عالم الأنتروبولوجيا إفان برتشارد في كتابه " الأنتروبولوجيا الاجتماعية".
إن تواجد عرف ما لدى شعب من الشعوب ، ضمن خريطة سكانية هو مجال اهتمام الإثنوغرافي لأنه يوظفه كحجة إثنية وثقافية للاستدلال على تواجد علاقات تاريخية بين السكان المستوطنين لهذا المجال. أما بالنسبة للأنتروبولوجي فهذا العرف نفسه ، جزء لمعرفة النظام الاجتماعي لهذه الساكنة في الحقبة الحالية، إذ من المحتمل أن يكون هذا العرف مستمدا من تأثيرات أعراق ومجتمعات أخرى مختلفة.

علاقة الأنتروبولوجيا بعلم التاريخ
لفهم العلاقة الرابطة بين الأنتروبولوجيا وعلم التاريخ وللتقرب أكثر من هذا الموضوع نجد الإجابة في علم التاريخ نفسه من خلال السيرورة التي عرفها والتطورات التي لحقت مناهجه ، فعلم التاريخ المعاصر لم يعد ميدانه يقتصر على ذكر الأحداث السياسية والعسكرية ، بل شمل التطورات الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والفنية ، إذ أصبح اهتمام المؤرخ موجها إلى دراسة أحوال البشر عامة ، وتطور الجماعة الإنسانية في مجموعها .
لقد اتسع مجال التاريخ فأصبح يتناول التجربة الإنسانية على الأرض دراسة شاملة ، ولم يعد ميدانه يقتصر على الماضي ، بل شمل الحاضر والمستقبل أيضا.وهذا كله جعل دراسة التاريخ اليوم ، دراسة معقدة متشعبة ومتعددة المناحي والاهتمامات ، بل وتتطلب الاستعانة بعلوم أخرى مساعدة ومن بينها الأنتروبولوجيا لرصد مسيرة الجماعة البشرية.

الأنتروبولوجيا والتاريخ الجزئي أو الميكروسكوبي.
إذا كان موضوع التاريخ هو دراسة التجربة الإنسانية على وجه الأرض بشكل أعم فإن تحقيق هذا الغرض لن يتم دون تحديد للمجال والزمان التاريخي بشكل مدقق وقابل للمناولة ، من ثم برزت مع مدرسة الحوليات ضرورة الاهتمام بتاريخ المناطق وبالمونوغرافيات المحلية أو ما اصطلح عليه بالتاريخ الجهوي قصد الاقتراب من فهم التاريخ العام في شموليته.
ولا شك أن الاستعانة بالأنتروبولوجيا الاجتماعية في دراسة التاريخ الجزئي من شأنه كشف النقاب عن العديد من الأحداث والوقائع والآثار التي تزخر بها العديد من الجهات، كما أنها تمكن من إعادة كتابة التاريخ وتسعف البحث العلمي في تداركه للصورة الكاملة للتاريخ الوطني ،أو التاريخ الماكروسكوبي.

على سبيل الختم
يتضح مما سبق أن المعرفة الأنتروبولوجية هي في صلب اهتمام المؤرخيين المعاصرين لما تقدمه من إمكانيات هائلة تمكنهم من الرقي بأعمالهم واكتشافاتهم، فهي من جهة تدفع الباحث في التاريخ إلى ضرورة التحكم في أدوات التحليل الأنتروبولوجي ومناهجه واستثمارها في التنقيب والبحث في الثرات والتاريخ الجهويين ، ومن جهة أخرى أصبح المؤرخ مطالبا بالإنصات إلى الأنتروبولوجي والسوسيولوجي وعالم اللغويات وغيره من المختصين ، والإفادة مما توصلوا به من نتائج مبهرة في أعمالهم، حتى يستكمل البحث التاريخي شروطه وانتظاراته.لقد أصبح المؤرخ بهذا المعنى وكأنه ضمير الإنسانية الواعي، براقب كل شيء ويدرس كل ما يهم الناس.




المراجع:


قصة الأنتروبولوجيا: فصول في تاريخ علم الإنسان عالم المعرفة عدد 98 د حسين فهيم
الحضارة : دراسة في أصول وعوامل قيامها وتطورها الفصل الثاني : التاريخ والحضارة عالم المعرفة عدد 1
Antropologie sociale E.EVAN PRITCHARD édition éléctronique

الأربعاء، 12 أكتوبر 2011

دمنات من خلال شاعرية أبنائها

يثأتر الإنسان بمحيطه أيما تأثر، ويزداد الحنين إلى البلدان ويشتد كلما كانت الغربة في الأوطان البعيدة. وأشد من يعبر عن علاقاتهم بالأرض هم الشعراء فلنلق نظرة عما خالج بعض شعراء بلدتنا المحبوبة " دمنات" من مشاعر وما سكنهم من هواجس اتجاهها.

" دمنات" في اشتعالات الحربيلي.

صدر للشاعر الشاب عبد الحكيم الحربيلي ضمن سلسلة الثقافة بالمجان من دار نعمان للثقافة بالمملكة العربية السعودية، ديوان شعري بعنوان "اشتعالات" وقد تضمن قصيدة بعنوان "دمنات".
للإشارة فالمؤلف كاتب وشاعر من مواليد 1969 بدمنات نال من خلال هذا العمل إحدى جوائز نعمان الأدبية لعام 2003 والتي تصدرها المملكة العربية السعودية وهي جائزة الاستحقاق.
يقول الشاعر في قصيدته "دمنات":

وحين تفر روحي من بحر الذكريات
في ضحى شمس الليل الخضراء
أحمل في قلبي جراحا من آلام وطني 
تأكل حمم الأسئلة من أصابع يدي 
فيسقط القلم مثل نيزك في مجرة الظلام
وبألف يد تصفعني الأخطاء
وتشنق أحلامي عند أبواب المدينة 
خيوط الكآبة، تلك التي نسجتها في الخفاء عناكيب السراب
وأشطب كل الابتسامات من  جدران الطفولة
كي أنام وحيدا على سرير من لعب
من يتسلق سلم هذه الريح العاتية، كي يوقظ نار تلك النجوم الناعسة؟
من يعيد لهذا الفضاء ما سرقه وحش الزمن؟
أيها المطر الغابر في أحشاء الآتي ، من يغسل تراب هذه المدينة؟

دمنات في" ثغر إفري" الضو.

وفي إصدار شعري آخر للشاعر مصطفى الضو. صدر عن البوكيلي للطباعة والنشر والتوزيع كتاب تحت عنوان " ثغر إفري" وهو ديوان من الشعر الحر يحتوي جملة من القصائد، إحداها عنونت ب "دمنات"
يقول الشاعر مصطفى الضو في قصيدته "دمنات":


مهلا أيتها الخضراء
لست دمنة من الدمن ولا حطبة
أنت بوابة عرين
وابنة شوامخ

أما حكى الراوي
للحفيدات والأحفاد
بروايات شتى:
أن جبالك طاولت هاماتها القمم
حين كانت تطل على هامات أخرى
في ضفاف بعيدة
حيث كانت ميجارا سعيدة
ومن جنون لحظة
مست حبيبها نوبة
اتهمت بالغدر ظلما
لوى جديها حنقا
ماتت البريئة هدرا
منها تخلص الأعداء؟

أما حكى الراوي حكايات أخرى
عن الفلك والكواكب
عن اقتراب الساعة
وزائرة جنائن اللوز والتين والزيتون...؟

أنت الخضراء
لست دمنة من الدمن ولا حطبة
أنت بوابة عرين
وابنة شوامخ

ما كل أبناء رحابك
ارتعشوا
من هول حكايات الراوي
هم تنسموا
عبير خضرائك
انتشوا حتى الثمالة
برائحة العرعار والصنوبر
مضمخة بالشموخ
فيوم هز الدنيا روع القذائف
هب بعض فتيتها أبطالا
من بوابة عرينك
حتى أصقاع الألزاس
وغيرها
حرروا ما حرروا
عاد منهم من عاد
إلى الرحاب
احتفت بهم عرائس السماء
في علياء القمم
وضعت فوق رؤوسهم أكاليل غار
وعدتهم سرا بآمال عظام
في ظل الحرية والأخوة والمجد

مهلا أيتها الخضراء
لست دمنة من الدمن ولا حطبة
أنت بوابة عرين
وابنة شوامخ

فيك من الفتنة ما يغري
فيك ثغر ايفري
دائم البسمة
يغري
يغري العاشق والمعشوق
بعشق لون حبات الرمان
وتراتيل الحمام
بعشق كل من مر
على الجسر
منذ آلاف السنين
مرت النملة
والهاصر
والديناصور
مرت أميرات العشق
ينثرن البهاء
فوق الخمائل
والزهور

أليس الولوع
بانسياب الحمام
بين شفيف لون حبات الرمان؟
وضياء فضة الشلال
ألا يشعل طفولة التاريخ
الجامح الأرعن
تراث نسيان؟
أما في وكنات خلوته
احتمي زهاد كرام
بمقام الحال
يرتلون مع الحمام
تراتيل نصر
تسبح في الفضاء
تشنف أسماع
أبطال قمم
انتشوا برائحة العرعار والصنوبر
امتطوا سروج صافنات جياد
مروا قديما على الجسر
فتكوا بالأسد
في وادي المهاصر
عصروا الزيتون
طحنوا القمح
في طواحين
 بين داليات
في دافق ساقيات؟

وتحن الحفيدات
والأحفاد
إلى زيارة الديار
يسائلون الطلل
يسألون السماء
أن تديم للثغر البسمة
وأن تبعد اللون القاتم
للاسمنت والقار
عن اللون حبات الرمان

أنت الخضراء
لست دمنة من اَلدمن ولا حطبة
أنت بوابة عرين
وابنة شوامخ


"تمزيرت" لوحدا وحدا للغلام.

وفي مبادرة للزجال الدمناتي عبد الحافظ لغلام ، أصدرت مطبعة وليلي مراكش مجموعة قصائد زجلية بعنوان "وحدا وحدا" ضمنها مجموعة من الخواطر امتزج فيها الأمازيغي بالدارج وقد جاءت إحدى زجلياته بالأمازيغية بعنوان "تمزيرت"
يقول عبد الحافظ لغلام : 

تمزيرت
متا مكاد تغولت تكيت 
أيدا كيم ران أغراس نس أستسوديت
ياك ديما تحليت
أرتفليت ماور توفيت
ود تروت الخير 
كتسن أورتوفيت
تسخاترت تسغريت
إماتسن أتكيت
مراكش تزوارتيد سدونيت
أراو نواراو
أمتافت
أكتريت سكندم أتكيت.

وسنحاول ترجمة ما تضمنته القصيدة على هذا الشكل.

أيتها البلدة 
ما هذه الحالة التي عليها
ماأرادوه لك، إليه أنت سائرة
كنت دوما جميلة
كنت الأجمل من كل شيء
الذين ظننت الخير فيهم ، لم تجديهم
رعيت وعلمت 
كنت أمهم
مراكش سبقتها للوجود
أبناء الأبناء 
هممن ستجد
إدا أردت النهوض من سباتك.

الثلاثاء، 11 أكتوبر 2011

الربيع العربي...... والمأزق الكبير

كثيرة هي التحليلات التي تبشر بعهد جديد ، سمته انتعاش الديمقراطية وبروز أنظمة جديدة وحديثة على امتداد خريطة الوطن العربي. ومع سقوط أنظمة الاستبداد السياسي الواحدة تلو الأخرى، يتعاظم التفاؤل حول قدرة الشعوب على تحقيق الأجود والأفضل، وعلى التحكم في مستقبلها ومستقبل أجيالها الاحقة.
إلا أنه وبالعودة إلى سياقنا العربي والإقليمي ، وبنظرة تحليلية للأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه، يتضح بجلاء أن سقوط هذه الأنظمة السياسية بهذا الشكل سبقه بلا أدنى شك سقوط وتساقط للبناء الثقافي العام وللنظام الاجتماعي بكامله، دون وعي منا أو إدراك.
لقد عرف البنيان الاجتماعي اهتزازات متتالية ، وتحولات عميقة مست جوهر العلاقات الرابطة بين أبناء الوطن الواحد،وتغلغلت بشكل رهيب شروخات في النسيج الاجتماعي للطبقات المختلفة، هددت مصالح الأفراد والجماعات أكثر لما لامست أدوار ووظائف الأسرة والحي والمدينة .وانتشرت قيم السوق والنفعية الفردية والأنانية النرجسية وحب التملك والاستغلال بشكل أفقد الإنسان العربي آدميته وحوله إلى مجرد رقم استهلاكي للبضائع المختلفة المستوردة، وجعله يعيش وهم الحداثة والتطور لما اعتقد بملكيته لآخر التكنولوجيا أنه يساير روح العصر.
وبالمقابل تعزز ذلك بالتطور الحاصل في وسائل الاتصال والمواصلات المختلفة، حتى أضحت عبارات " العالم قرية صغيرة " وفكرة " الإنسان العولمي" رائجة بشكل مثير وهي عبارات لا تعني فقط التقارب الزمكاني الحاصل الآن بين شعوب العالم المختلفة، بل ارتفاع درجات التأثير والتأثر الكبيرين بين أنماط عيش مختلفة، وثقافات وحضارات متباينة.
إن عنصر المحاكاة في هذا الحراك العربي بفعل تأثير وسائل الإعلام والإتصال واضح من حالة ثورية إلى أخرى، مع بعض الاستثناءات طبعا، وعامل توجيه هذا التفاعل القائم بين الشعوب وحكامها حاضر في أكثر من مناسبة. وبالتالي تتساقط الأنظمة كأحجار الدومينو، وتتبعثر الأوراق لتفضي لا محالة إلى حالة اللااستقرار في البلدان الواقعة تحت ضغط هذه الموجة.
ولعله من المجحف الحكم بالتيه على مستقبل بلدان ما بعد الثورة وهي تتلمس طريقها نحو الحرية والديمقراطية بخطى وئيدة متمهلة، إلا أنه من حقنا أن نتساءل : هل الشروط التقافية الحالية والبنيان الاجتماعي لهذه البلدان تيسر ولادة وبروز أنظمة ديمقراطية؟ ألا تشكل حالة العراق وما آل إليه من تقسيم طائفي ومذهبي مقيت بعد بشائر الديمقراطية وأحلامها ، درسا بليغا إلى ما يمكن تسميته ب" مخطط تنزيل الفوضى الخلاقة " ببلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.ألم تكن تطرح في أكثر من مناسبة وملتقى فكري مسألة التغيير من الداخل أم من الخارج أيهم أجدى ؟ وبالطبع أيهم في خدمة الأجندة السياسية للقوى الغربية المهيمنة. وهل هي بالفعل معركة الديمقراطية التي تترنم بها شعوب المنطقة ، أم هي معركة الكرامة ورد الفعل إزاء الإحساس بالمهانة؟
إن مرحلة ما بعد الاستبداد تتطلب إعدادا تربويا وفكريا وثقافيا يؤسس للغايات الكبرى التي تطمح إليها الشعوب الثائرة،ويعيد الاعتبار للنخب المحلية لتسترد زمام تثقيف وتنوير الجماهير.وبالتالي هل القوى السياسية الحالية والتشكيلات الحزبية وتمثيليات المجتمع المدني من جمعيات ونقايات في مستوى التطلعات والتحديات الراهنة ؟ ألم يشكل الحدث بالنسبة لهم أيضا عنصرالمفاجأة؟ ثم كيف يمكن لها بالتبعية والإلحاق أن تساهم في خلق شروط انبعاث الأمة ونهضتها؟ وهل من مرجعيات قومية وإسلامية تشكل أرضية صلبة للتداول وتلاقح الأفكار بين مختلف الحساسيات الفكرية والسياسية القائمة والتي تؤتث فضاءات الإنتماء العربي الإسلامي؟ هل نحن في لحظة فارقة شبيهة بتلك التي عاشتها بلداننا بعد انتصارها في معركة التحرير ضد المستعمر؟
إن الاحتجاج والتظاهر وسيلة لتغيير واقع بغيظ ومكروه ،وقد تتجلى نتائجه ظاهريا في استبدال وجوه بأخرى، واستحداث مؤسسات معينة وعزل أخرى عن المشهد السياسي. لكنه (أي الخطاب الاحتجاجي والثوري) لا يؤسس بنيانا ولا يغير في الواقع السوسيولوجي والثقافي قيد أنملة،ولا يدبر أزمات الدول والجماعات البشرية. وعليه ولتجاوز ما أسميناه مآزق الربيع العربي ، فمن الضروري الانتقال من ثقافة الاحتجاج والمطالبة إلى مرحلة تدبير الاختلاف والتأسيس بشكل تفاوضي لحوارات المستقبل، ومن التحشيد الجماهيري إلى التثقيف الشعبي . لابد من أجرأة ثقافة الشراكة مع الجميع في صنع المستقبل على الواقع ،ابتداءا من الأسرة وانتهاءا بالدولة ومؤسساتها. لابد للفرقاء السياسيين من الالتفاف على جملة من القضايا بتقديم تنازلات والتضحيات فيما بينهم قصد المرور بهذه المرحلة إلى بر الأمان، بدل الانشغال بمكاسب الثورة وغنائمها.فالمهمة الصعبة تكمن في محاربة استبداد عقول تبلورت ونمت في ظل الاستبداد السياسي لقرون وترسخت ثقافيا بأشكال متعددة حتى لقي سلوك التسلط تطبيعا في الحياة الاعتيادية. 
   " يتبع"
بقلم : ياسين الضوو  

الثلاثاء، 28 يونيو 2011

تغطية


    تقرير عن اليوم الدراسي :
الجهوية المتقدمة و رهانات التنمية بالمغرب
-الفاعل الجمعوي نموذجا-


في إطار برنامجها "التواصل و دعم الكفاءات" الذي تنفتح من خلاله الجمعية على فعاليات المجتمع المدني بمختلف إنحاء جهة تادلة ازيلال ، دأبت جمعية الكرازة للتنمية القروية تنظيم أيام دراسية تأخذ بعين الاعتبار متغيرات المشهد العام ببلادنا و تساهم في تقوية كفاءات الجمعيات و تنمية مؤهلاتها البشرية و التسيرية و دعم إطارها المؤسساتي .
واستجابة للخطاب الملكي الذي وجهه مساء الأربعاء 9 مارس 2011 ، حيث دعا صاحب الجلالة  محمد السادس نصره الله اللجنة المكلفة بمراجعة الدستور إلى الإصغاء  و التشاور مع كل المنظمات بما  فيها الفاعلين الجمعويـين و تلقي تصوراتهم و أرائهم في هذا الشأن. في هذا الإطار يأتي اليوم الدراسي حول الجهوية تحت شعار :الجهوية المتقدمة ورهانات التنمية بالمغرب     -الفاعل الجمعوي نموذجا- 
وقد حضر هذا اللقاء أزيد من 100 مشارك من مختلف الفاعلين بالجهة جمعيات و أساتذة ورؤساء مصالح و خبراء ومتخصصين ...
وقد اطر هذا اللقاء على مستوى العروض  الأساتذة الآتية أسماؤهم :
ذ.احمد بوعشيق : أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس بالرباط و عضو باللجنة الاستشارية للجهوبة المتقدمة قدم عرض بعنوان : قراءة في تقرير اللجنة الاستشارية للجهوية المتقدمة
ذ. محمد اليعكوبي : أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس بالربط و رئيس ماستر تدبير الجماعات المحلية بكلية الحقوق بسلا قدم عرض بعنوان : مفهوم الديمقراطية في تقرير اللجنة الاستشارية للجهوية المتقدمة
ذ. عبد الله حارسي : أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بفاس و رئيس مختبر خاص بالجماعات المحلية.قدم عرض بعنوان : دسترة الجهة في التصور العام للجنة الاستشارية للجهوية
أما الو رشات فقد كانت  من تاطير :
ذ.ياسين الضوو : خريج المدرسة الوطنية للإدارة تخصص تدبير التنمية  و العمل الاجتماعي، ا طار بالأكاديمية الجهوي تادلة ازيلال .
ذ.عزيز لوابلي :إطار بالجمعية المغربية للتضامن و التنمية الرباط .

خلاصات الورشة الأولى :

التقطيع الجهوي الجديد ، جهة خنيفرة بني ملال خصائص ومواصفات

تضم جهة خنيفرة – بني ملال من خلال التقطيع الجهوي الجديد ستة أقاليم وهي : بني ملال وخريبكة والفقيه بن صالح وميدلت وأزيلال وخنيفرة. ويبلغ سكانها 2611000 نسمة حسب الإحصاء العام للسكن والسكنى لسنة 2004، كما تساهم هذه الجهة بنسبة 11.2 في المائة  من الناتج الداخلي الإجمالي الوطني.
ومن حيث تجانس هذا الإقليم فقد جاء في تقرير اللجنة الاستشارية الجهوية أن الجهة الحالية في ظل التقطيع المقترح تشكل قطبا رئيسيا للمناطق الجبلية، وللتفاعل بين سكان الجبل والدير والسهل ، حيث رصدت اللجنة هذه العلاقات من خلال مؤشر الاتصالات الهاتفية، حيث يصل المؤشر ما بين خريبكة وخنيفرة إلى 315 ، ومع بني ملال والمدن المجاورة الفقيه بن صالح 532 وواد زم 564 وهي مؤشرات مرتفعة بالمقارنة مع الدار البيضاء 112 أو بني ملال مكناس 290.
وتتواجد الجهة ما بين مرتفعات جبال الأطلس الكبير الشرقي والأطلس المتوسط الرئيسي ، حيث تمثل خزانا مهما للماء ، وتمتد على الهضبة الوسطى التي تتواجد بها (مناجم اولاد عبدون).
تراثها الطبيعي المائي والغابوي شديد التنوع وإمكاناتها الفلاحية كبيرة بحكم تواجد سهول بني عمير وبني موسى، وروافد وامتدادات نهر أم الربيع . ففي منطقة الأطلس المتوسط نجد اقتصاد الزراعة الرعوية، وفي منطقة خريبكة تتواجد الهضبة الفوسفاطية ، والتي ستنضاف عوائدا المالية إلى جانب التحويلات المالية للمهاجرين بالخارج لتوفر الموارد المالية للدخار والاستثمار في مشاريع فلاحية وصناعية وتجارية تعود بالنفع على ساكنة الجهة .
ويتضمن الجدول التالي بعض المؤشرات التي تميز جهة خنيفرة بني ملال.



المؤشرات جهة خنيفرة بني ملال المعدل الوطني الحد الأقصى وطنيا مقارنة بباقي الجهات الحد الأدنى وطنيا مقارنة بباقي الجهات
عدد الأقاليم
عدد الجماعات
المساحة بالكلم2
عدد السكان بالآلاف لسنة 2008
نسبة الجماعات المتواجدة على ارتفاع أكثر من 100 متر

نسبة سكان هذه الجماعات حسب2004


عدد السكان في الكلم2
الساكنة الإجمالية بالآلاف

الساكنة القروية بالآلاف

الساكنة الحضرية بالآلاف
المساحات الصالحة للزراعة

عدد الاستغلاليات
المعدل الأدنى للفقر
المعدل الأقصى للفقر



06
164
41033
2611

16.67


17.06


63.5
2611

1226

1386
966220

166031
1.64
38.63
-
-
59238
2598


17.58




8.33




43.9
2598


1478


1121
726543


124414
-
9.5
9
251
140018
6085


17.58




19.11




312.9
6065


4193


2305
2013775


287369
3.12
52.43
2
13
13712
152


0.00




0.54




1.2
-


92


38
264


571
0.02
8.86



   إعداد: ذ ياسين الضوو


التوصيات

من بين أهم التوصيات التي خلصت لها الدورة التكوينية:

  كيف يمكن تأهيل جمعيات المجتمع المدني لتكون طرفا فاعلا في الجهوية ?
  خلق آليات للتواصل بين الجمعيات بشكل دائم غير مناسباتي
  دمج الإعاقة في جميع السياسات الجهوية
  إحياء المفهوم الجديد للسلطة و إعطاء الدينامية الحقيقية
  الانخراط الفعلي الجمعوي في التنمية
  خلق وكالة جهوية للمحافظة على الغطاء الغابوي
  خلق قطب يستوعب و ينسق بين جمعيات الجهة
  تأمين الدعم للجمعيات
  خلق شراكات بين الجمعيات
  دسترة جمعيات  المجتمع المدني
  آليات الطعن في القرارات
  ضرورة اعتماد النقد الذاتي للمجتمع المدني و الديمقراطية والشفافية الداخلية
  أهمية مشاركة المجتمع المدني في التنمية نظرا لقربه من هموم المواطن و اهتمامه بمواضيع و فئات معينة
  آليات الاستفتاءات المحلية و الجهوية
  توفير الموارد البشرية الكفيلة للتسيير
  توفير الموارد المالية




تغطية خاصة


فعاليات الملتقى الجهوي الأول لفن المديح والسماع 
المنظم بمدينة دمنات
 
عرف فضاء الجزيرة بمدينة دمنات يوم السبت 15 رجب 1432 الموافق ل 18 يونيه 2011 ، تنظيم الملتقى الجهوي الأول لفن المديح والسماع من قبل جمعية دمنات لفن المديح والسماع والثقافة . وذلك تحت شعار " فن المديح والسماع منارة من منارات الثقافة المحلية" . وبحسب القائمين على فعاليات هذا الملتقى فقد كانت من بين أهداف تنظيمه، إحياء الثرات المحلي لفن المديح والسماع بمدينة دمنات، والاحتفاء برمز من رموز الثقافة والإبداع بالمدينة ، وهو العلامة أحمد نجيب ، الأديب الشاعر ، والفقيه العدل صاحب مخطوطة : القول الجامع فيما وقع في دمنات من الوقائع.
استهل هذا الملتقى بإلقاء كلمات ترحيبية لكل من رئيس الجمعية المنظمة ورئيس الجماعة الحضرية لدمنات، رحبوا من خلالها بالحضور الكريم، وبالضيوف القادمين من مدن بني ملال ، مراكش ، قلعة السراغنة ...الخ. وأبرزا فيها أهمية مثل هذه المحطات الثقافية، باعتبارها فضاءا للتلاقي والتواصل بين أبناء البلدة من جهة ومجال للتعرف على الآخر وللتداول في الشأن الثقافي والفني المحلي.
هذا وقد عرف اللقاء حضورا مكثفا للجمهور، حيث تابع بإمعان العروض والمحاضرات المتنوعة المضمون ، والعميقة التحليل التي قدمها ثلة من الأساتذة والباحثين.
إذ قدم الدكتور أحمد صدقي وهو أستاذ الفلسقة بدار الحديث الحسنية بالرباط محاضرة تحت عنوان :" التصوف وفن السماع" تطرق من خلالها إلى مفهومي السماع والاستماع وميز بينهما ، وذكر دواعي الفقهاء وأقوالهم في تحريم السماع لارتباطه باللهو، كما أبرز شروط أهل التصوف في تجويزهم للسماع ، وذكر مراتب ومنازل السماع وعدده في سماع العامة وسماع المريد وسماع المشايخ.، كما خلص إلى أن  أصل السماع هو الحب، والحب على حد تعبيره يوجد في أصل الكائنات.
بعدها قدم الدكتور الفقيه الإدريسي ،أستاذ مادة التاريخ بجامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال عرضا بعنوان : " الذاكرة الجماعية المستعادة لدمنات كما يؤرخ لها العلامة أحمد نجيب في مخطوط القول الجامع فيما وقع في دمنات من الوقائع . تطرق من خلاله إلى المخطوط المذكور، والذي يضم 26 فصلا و 111 صفحة ، حيث أبرز أهم المضامين والأحداث التاريخة المذكورة في المخطوط ، وعرف بقيمته العلمية ضمن مسارات الكتابات التاريخية بالمغرب التي تناولت القرن التاسع عشر. كما وقف على منهجية المؤلف و أسلوب كتابته، حيث اهتم الحاج أحمد نجيب  بذكر التفاصيل في مجالات السياسة والاقتصاد، وكان له وعي منهجي بقضايا عصره، وكان يبدأ حديثه في كل فصل بالقول : الكلام عن .... ، كما أعتمد في سرد الأحداث التاريخية التوطين الزمني والمكاني.مما يعطي لكتابه زخما معرفيا، ينضب بأخبار المتأخرين وحالهم وترحالهم ، ويفيد بنقلاته عطش الباحثين في صنوف العلم المتعددة: الخبر التاريخي، التراجم ، الجغرافيا ، الإتنوغرافيا. كل في مجال تخصصه.
بعدها قدم الدكتور الضعيفي عبد العزيز، أستاذ التاريخ بجامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال عرضا بعنوان : ثقافة الحاج أحمد نجيب من خلال رحلته الحجية لسنة 1954 ، تناول فيه بالدرس والتحليل لمكونات ثقافة الفقيد من خلال رحلاته للديار المقدسة، وعرف بسيرته وذكر مناقبه، ومن جملة ما تحدث به أن الحاج نجيب كان شغوفا باقتناء المخطوطات والكتب، وكان مهتما بأخبار المؤسسات العلمية والثقافية، إذ كلما قصد المشرق ، يزور الكلية الطرابلسية والكلية الأزهرية، ومما كان يميز الشيخ كذلك اهتمامه بقراءة الجرائد واقتنائها ومراجعتها، وممارسته للنقد كلما عرضت عليه المسائل التي تتطلب ذلك.
بعدها تناول الأستاذ ياسين الفتاوي السيرة العلمية للفقيد والثرات العلمي المخطوط الذي أورثه، حيث عرض أهم ما تحتويه خزانة كتبه من تحف نادرة ، ومخطوطات قيمة تؤرخ لأعلام مدينة دمنات، وتضع الباحث أمام ثروة علمية وثقافية نادرة.
لتختتم الفترة الصباحية بعرض ورقة للتأمل والتفكير، قدمها الأستاذ بوستة مولاي الرضى عنونها ب: الموروث الثقافي للمرحوم: حرقة السؤال وثقل المهام . حاول خلالها طرح مجموعة أسئلة علها توقظ في الجمهور الحاضر، الدمناتي منه خاصة، أسئلة الثقافة والتاريخ المحليين، وسؤال مسؤولية النبش والتحقيق والتوثيق للذاكرة الجماعية المحلية.
وفي الفترة المسائية اختتمت فعاليات هذا الملتقى،بأمسية روحية شاركت فيها فرق للمديح والسماع الصوفي تنتمي إلى مدن بني ملال ودمنات وقلعة السراغنة .

إعداد : ياسين الضوو

لا إِله إلا انت سبحانك ربى اني كنت من الظالمين - حسبى الله لا اله الا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم - رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا ومحمد عليه افضل الصلاة والسلام نبيا - لا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم - يارب لك الحمد كما ينبغى لجلال وجهك وعظيم سلطانك - اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد عليه افضل الصلاة والسلام - سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر - حسبنا الله ونعم الوكيل - استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم