الأحد، 1 يناير 2012

ورقة حول الأنتروبولوجيا الاجتماعية و علم التاريخ

تمهيد :
اتسمت الأنتروبولوجيا منذ انبثاقها كفرع من العلوم الإنسانية والاجتماعية بتعدد الدراسات والاتجاهات التي تناولتها .
كما اتسعت مجالات الدراسة الأنتروبولوجية وتداخلت مواضيعه مع باقي موضوعات العلوم الأخرى ، ولاسيما علوم الأحياء والاجتماع والفلسفة والتاريخ . كما تعددت مناهج البحث الأنتروبولوجي النظرية والتطبيقية ، تبعا لتعدد تخصصاته ومجالاته.
فما هي الأنتروبولوجيا ؟ وما هي موضوعاتها ؟وما الفرق بينها وبين الإثنولوجيا ؟ وكيف يمكن أن نفهم حاجة علم التاريخ لمثل هذا الحقل المعرفي ، وما الثراء الفكري والعلمي التي يمكن أن تقدمه الأنتروبولوجيا عند محاولة دارسي التاريخ إعادة كتابته ؟ ثم ما أهميتها بالنسبة للمهتم بالتاريخ الجزئي على وجه الخصوص؟

ما هي الأنتروبولوجيا؟
يشار دوما إلى كون الأنتروبولوجيا هي علم الإنسان وهو تعريف أدق وشامل لكنه لا يحجب إشكالية وصعوبة تحديد تعريف موحد بين الباحثين وعلماء الأنتروبولوجيا، حيث انطلق كل واحد منهم من مدرسته التي ينتمي إليها في تدقيق المفهوم وحصر مجالات اشتغال الانتربولوجي.
 واعتمادا على التعريف الذي أورده الدكتور فهيم في كتابه "قصة الأنتروبولوجيا " نقلا عن د شكري سليم نعرف الأنتروبولوجيا كالآتي:
الأنتروبولوجيا هي علم دراسة الإنسان طبيعيا واجتماعيا وحضاريا.
يستشف من خلال هذا التعريف ثلاث تخصصات للأنتروبولوجيا : الأنتروبولوجيا الطبيعية الأنتروبولوجيا الاجتماعية الأنتروبولوجيا الثقافية.

موضوع علم الأنتروبولوجيا:
اختلفت مجالات الانتروبولوجيا بحسب أقسامها فنجد أن:
الأنتروبولوجيا الفيزيقية أو الطبيعية تهتم بدراسة الجانب العضوي للإنسان ومن جملة مواضيعها : الوراثة ، التغذية، الإختلاف بين الجنسين ، التشريح المقارن، فيزيولوجيا الأعراق، ونظريات التطور الإنساني.
الأنتروبولوجيا الاجتماعية تهتم بدراسة السلوك الاجتماعي الذي يتخذ في العادة شكل نظم اجتماعية كالعائلة ونسق القرابة والتنظيم السياسي، والإجراءات القانونية ، والعبادات الدينية وغيرها سواء في المجتمعات المعاصرة أو في المجتمعات التاريخية.
الأركيولوجيا الماقبل التاريخ وهو فرع من الأنتروبولوجيا أو ما يصطلح عليه بالاثنولوجيا عند الفرنسيين علم مهمته إعادة كتابة تاريخ الشعوب والثقافات من خلال الأدلة المادية والمشاهدات ونتائج المسوحات والحفريات الأركيولوجية.

منهج علم الانتروبولوجيا:
من بين السمات والخصائص التي تنفرد بها الأنتروبولوجيا عن باقي الحقول المعرفية الأخرى ، الأخذ بمنهج المقارنة الواسعة فهي تسعى في تعميماتها إلى مقارنة النظم وأوجه النشاط الإنساني، موضع البحث عبر الأماكن وعبر الأزمنة .

الأنتروبولوجيا والإثنوغرافيا أية علاقة؟
إذا كانت الإثنوغرافيا تعنى بتوصيف أسلوب الحياة ومجموعة التقاليد والعادات والقيم والأدوات والفنون ، والمأثورات الشعبية لدى جماعة معينة أو مجتمع معين خلال فترة زمنية محددة. فالأنتروبولوجيا الاجتماعية بتعبير الإنجليز أو الثقافية عند الأمريكيين أو الإثنولوجيا في اصطلاح الفرنسيين هي تلك الدراسة التحليلية والمقارنة للمادة الإثنوغرافيا ، بهدف الوصول إلى تصورات نظرية أو تعميمات بصدد مختلف النظم الاجتماعية الإنسانية من حيث أصولها وتطورها وتنوعها.
وعلى هذا الأساس فالمادة الإثنوغرافية قاعدة أساسية للباحث الأنتروبولوجي أو الإثنولوجي.
فإذا كانت الأنتروبولوجيا الاجتماعية والإتنوغرافيا تهتمان بنفس الموضوع مثلا المجتمعات البدائية ، فإن أهداف كل من هذين العلمين مختلفة تماما ، ويصعب بالتالي التحديد الدقيق لكل علم .فمهمة الإثنوغرافيا الاشتغال غلى تصنيف الساكنة على أساس الخصائص العرقية والثقافية ومحاولة تفسير توزيعها في الحاضر والماضي على المجال ، وتتبع تنقلاتها ورصد درجات التمازج ولحظة انبثاق الثقافة. حيث تبرز هنا أهمية الأرشيف التاريخي.
وللتوضيح أكثر نستدل بالمثال الذي أورده عالم الأنتروبولوجيا إفان برتشارد في كتابه " الأنتروبولوجيا الاجتماعية".
إن تواجد عرف ما لدى شعب من الشعوب ، ضمن خريطة سكانية هو مجال اهتمام الإثنوغرافي لأنه يوظفه كحجة إثنية وثقافية للاستدلال على تواجد علاقات تاريخية بين السكان المستوطنين لهذا المجال. أما بالنسبة للأنتروبولوجي فهذا العرف نفسه ، جزء لمعرفة النظام الاجتماعي لهذه الساكنة في الحقبة الحالية، إذ من المحتمل أن يكون هذا العرف مستمدا من تأثيرات أعراق ومجتمعات أخرى مختلفة.

علاقة الأنتروبولوجيا بعلم التاريخ
لفهم العلاقة الرابطة بين الأنتروبولوجيا وعلم التاريخ وللتقرب أكثر من هذا الموضوع نجد الإجابة في علم التاريخ نفسه من خلال السيرورة التي عرفها والتطورات التي لحقت مناهجه ، فعلم التاريخ المعاصر لم يعد ميدانه يقتصر على ذكر الأحداث السياسية والعسكرية ، بل شمل التطورات الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والفنية ، إذ أصبح اهتمام المؤرخ موجها إلى دراسة أحوال البشر عامة ، وتطور الجماعة الإنسانية في مجموعها .
لقد اتسع مجال التاريخ فأصبح يتناول التجربة الإنسانية على الأرض دراسة شاملة ، ولم يعد ميدانه يقتصر على الماضي ، بل شمل الحاضر والمستقبل أيضا.وهذا كله جعل دراسة التاريخ اليوم ، دراسة معقدة متشعبة ومتعددة المناحي والاهتمامات ، بل وتتطلب الاستعانة بعلوم أخرى مساعدة ومن بينها الأنتروبولوجيا لرصد مسيرة الجماعة البشرية.

الأنتروبولوجيا والتاريخ الجزئي أو الميكروسكوبي.
إذا كان موضوع التاريخ هو دراسة التجربة الإنسانية على وجه الأرض بشكل أعم فإن تحقيق هذا الغرض لن يتم دون تحديد للمجال والزمان التاريخي بشكل مدقق وقابل للمناولة ، من ثم برزت مع مدرسة الحوليات ضرورة الاهتمام بتاريخ المناطق وبالمونوغرافيات المحلية أو ما اصطلح عليه بالتاريخ الجهوي قصد الاقتراب من فهم التاريخ العام في شموليته.
ولا شك أن الاستعانة بالأنتروبولوجيا الاجتماعية في دراسة التاريخ الجزئي من شأنه كشف النقاب عن العديد من الأحداث والوقائع والآثار التي تزخر بها العديد من الجهات، كما أنها تمكن من إعادة كتابة التاريخ وتسعف البحث العلمي في تداركه للصورة الكاملة للتاريخ الوطني ،أو التاريخ الماكروسكوبي.

على سبيل الختم
يتضح مما سبق أن المعرفة الأنتروبولوجية هي في صلب اهتمام المؤرخيين المعاصرين لما تقدمه من إمكانيات هائلة تمكنهم من الرقي بأعمالهم واكتشافاتهم، فهي من جهة تدفع الباحث في التاريخ إلى ضرورة التحكم في أدوات التحليل الأنتروبولوجي ومناهجه واستثمارها في التنقيب والبحث في الثرات والتاريخ الجهويين ، ومن جهة أخرى أصبح المؤرخ مطالبا بالإنصات إلى الأنتروبولوجي والسوسيولوجي وعالم اللغويات وغيره من المختصين ، والإفادة مما توصلوا به من نتائج مبهرة في أعمالهم، حتى يستكمل البحث التاريخي شروطه وانتظاراته.لقد أصبح المؤرخ بهذا المعنى وكأنه ضمير الإنسانية الواعي، براقب كل شيء ويدرس كل ما يهم الناس.




المراجع:


قصة الأنتروبولوجيا: فصول في تاريخ علم الإنسان عالم المعرفة عدد 98 د حسين فهيم
الحضارة : دراسة في أصول وعوامل قيامها وتطورها الفصل الثاني : التاريخ والحضارة عالم المعرفة عدد 1
Antropologie sociale E.EVAN PRITCHARD édition éléctronique
لا إِله إلا انت سبحانك ربى اني كنت من الظالمين - حسبى الله لا اله الا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم - رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا ومحمد عليه افضل الصلاة والسلام نبيا - لا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم - يارب لك الحمد كما ينبغى لجلال وجهك وعظيم سلطانك - اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد عليه افضل الصلاة والسلام - سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر - حسبنا الله ونعم الوكيل - استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم