قصيدة محمد الحجوجي الرائعة عن دمنات
الأربعاء، 27 أبريل 2011
الثلاثاء، 26 أبريل 2011
فصل المقال فيما فتح لوسائل الإعلام بالمغرب من مجال
"Imaginez un monde et cela aujourd'hui concevable ou gouvernants ; hommes d'affaires , groupes de pression , candidats aux élections , chefs religieux et responsables syndicaux ; informeraient directement le citoyens par le canal de son ordinateur personnel".
extrait du livre " le pouvoir des médias" Michael Schudon page 1
" بما أن الأساس الذي تقوم به حكومتنا هو رأي الشعب ، فإن الهدف الأول يجب أن يكون هو صيانة هذا الحق ، ولو أنني خيرت بين أن تكون لدينا حكومة بدون صحف أو صحف بدون حكومة . لما ترددت لحظة في تفضيل الخيار الأخير".
الرئيس الثالث للولايات المتحدة الأمريكية لعام 1787 توماس جيفرسون.
استهلال:
استطاع الإعلام بما له من قوة مادية ومعنوية في صناعة الرأي العام، وفي تغيير الاتجاهات والأفكار، أن يساهم بشكل كبير في الحراك السياسي والفكري، الذي شهده عالمنا العربي . وإذا كان الإعلام في المغرب حبيس التوجيهات الرسمية، ومستوى تفاعلاتها مع الأحداث الدولية والإقليمية، خاضعا لرقابة كل من وزارة الإعلام والاتصال، والهيئة العليا للسمعي البصري. فإنه بالمقابل أفرز المشهد الإعلامي ببلادنا ممارسات إعلامية بديلة، تتجه أكثر فأكثر ، نحو الاستقلالية والابتعاد عن مقص الرقيب. فكيف يمكن إذن أن نقرأ المشهد الإعلامي الوطني، في ظل التطورات الحالية ؟ وما دور الإعلام في الإصلاح السياسي ومناقشة التعديلات الدستورية، وما علاقته بالديمقراطية؟ ومن هم الفاعلون الرئيسيون أو المحتملون لإعلام أكثر نضجا في المستقبل ؟ وبأي شكل استطاعت الوسائط الإعلامية البديلة أن تؤثث المشهد الإعلامي الوطني وتشبع رغبة الجمهور وطلبه للمعلومة ؟ وهل نحن إزاء تطور متزايد للإعلام المحلي والإقليمي والجهوي ؟ .
المحور الأول : الإعلام والديمقراطية، أية علاقة ؟
معلوم أن جوهر مهام الإعلام والصحافة ،تزويد المواطنين بالمعلومات الدقيقة والموثوقة التي يحتاجون إليها، للعب دورهم في مجتمع ديمقراطي،(1) تكون الحرية والعدالة الاجتماعية أساس التعاقد بين حكامه ومحكوميه ، لذا ارتبطت قضايا حرية التعبير والرأي بشكل كبير، بطبيعة الأنظمة السياسية،وبمدى التزامها بالمواثيق والعهود الدولية، في هذا المجال.
كما اعتبر هذا الملف دوما محكا حقيقيا واختبارا لمدي جدية تلك الدول ونواياها حول خطاب الحكامة و الديمقراطية. كما شكل موضوع الحق في الوصول إلى المعلومة، وتقنينه بإصدار تشريعات وقوانين ضامنة له. مطلب كافة القوى الديمقراطية الحية، من ممتهني الصحافة ، والفاعلين السياسيين والجمعويين.
أولا: ثورة الاتصال في خدمة المعلومة إنتاجا واستهلاكا.
غير بعيد عن التفاعلات التي عرفتها الساحة السياسية والإعلامية العربية. وقبل ذلك بكثير، تشكل واقع إعلامي جديد، حيث أعطت ثورة ما بعد الحداثة، سلطة للعلامات والرموز، وفجرت مفهوم التمثل المعرفي، على النحو الذي يجعل المعرفة ليست تصورا للواقع بل صناعة له. على حد تعبير علي حرب. (2) لقد قامت الثورة الإعلامية بإعطاء سلطة لتقنية المعلومات، تجاوزت بذلك تقنية المماثلة، فجعلت من المعرفة ليس فقط عبارة عن تصنيع للواقع، بل اصطناع واقع جديد عبر عمليات الحوسبة والأعلمة والرقمنة (3).
لقد شكل ظهور الانترنت ، وسيط الاتصال في المقام الأول، انقلابا حادا في مفهوم التواصل الإنساني، من حيث تنوع الوسائل التي يتيحها، أو اتساع نطاقاته وسرعة إيقاعاته (4) . كما أتاحت شبكات الاتصال ذات النطاق الواسع ، وتطور اللاسلكي وأنظمة الهواتف النقالة(5) والذكية ، قدرات فائقة في تداول المعلومات بكافة أصنافها : مقالات، صور، صوت، فيديو....الخ، فامتدت التغطية لتشمل العالم بأسره، عبر موجات الأثير والأقمار الاصطناعية، كما مهدت تكنولوجيا الألياف الضوئية بشكل كبير للاتساع الهائل لتدفق المعلومات (6).
ثانيا: البناء الديمقراطي والفرص الممكنة.
إن بناء الديمقراطية في ظل مقتضيات ثورة الإعلام والاتصال الحالية، تستوجب ترسيخ ثقافة المشاركة في بناء القرار السياسي الوطني والمحلي، فلم يعد مقبولا تسليم أمور الحكم وقضاياه لممثلين ونخب لحظة الانتخابات فقط، بل أضحت الممارسة السياسية فعلا يوميا يمارسه الناخب من خلال عرض آرائه وبسط انشغالاته، حول مختلف القضايا التي تهمه، باستخدام وسائط الاتصال المختلفة.
فالرهان ليس في اختيار المواطن لممثله، بناء على ما يقدم له من معلومات، بل المشاركة في إنتاج المعلومة واستخدام الوسائط . ومن لم يحضر في المشهد الإعلامي ، يكن عرضة للتضليل أو التهميش ، ما دامت الحقيقة باتت تصنع عبر الوسائط والصور والأرقام(8)
تأسيسا على ما ذكرناه، مكنت الثورة المعلوماتية الحالية ظروف ومناخ الانتقال من ديمقراطية تمثيلية عددية إلى ديمقراطية تشاركية أكثر عمقا، يشكل فيها العنصر البشري بفكره ورؤيته قطب الرحى، يستعيد فيها سلطة المبادرة والقرار في وضع وتحقيق الأنشطة والبرامج التي تهم مستقبله.
ولتحقيق ذلك ، أفرز هذا التطور مفاهيم جديدة مواكبة ، كالتصويت الإلكتروني، والعريضة الإلكترونية، والمرافعة عن طريق المواقع التواصلية الاجتماعية، والنقاش السياسي الإفتراضي ،، وحوار غرف الدردشة الصوتية، والمدونات والمنتديات ...الخ.
المحور الثاني : الانفجار المعلوماتي وأزمة الدولة البوليسية.
ليس بمستغرب أن يقع انهيار النظامين البولسيين في كل من مصر وتونس، ومن صار على شاكلتهما ، ما دامت هذا الانفجار المعلوماتي وهذا التطور في وسائط الاتصال في أوج قمته. لقد كان وراء ما وقع استخدام هائل ، واستثمار غير مسبوق للأنترنت، فتحول المدونون إلى مراسلين صحفيين، كما انتقلت الهواتف النقالة الذكية للعب دور عدسات الكاميرا ، وتحول " اليوتوب" إلى قناة تلفزية إخبارية. كما ساهمت المواقع الاجتماعية كالفايسبوك والتويتر في تغذية النقاشات ، وتوحيد الجهود والمبادرات وتوجيهها.
لقد وجدت أنظمة الحكم المبنية على الرقابة اللصيقة ، والمتمرسة على حبس وتعداد أنفاس المعارضين، والفاعلين في ميادين الإعلام والسياسة. وجدت نفسها متجاوزة . فالحجم الهائل من التبادل في المعلومات، وفي صنع الحدث وتوثيقه ونشره، أحجم كل فعل رقابي مسكون بهاجس التحكم والضبط. فلم يكن عجبا أن اعتبر في لحظة من اللحظات كل من الانترنت والهاتف عدو الأمن القومي المصري، فسعى النظام السياسي هناك إلى قطعهما. مع ما تمخض من خسائر مالية فادحة جراء ذلك.
كما ساهمت سيولة المعلومات في توثيق الصلات وتنسيق المواقف الجماهيرية ، إما في إطار تنظيمات جمعوية أو مؤسساتية دائمة ، أو بمناسبة التعبير عن مواقف لحظية(9).
أولا : من أزمة الإعلام إلى إعلام الأزمة بالمغرب
انتهج المغرب في بداية العهد الجديد سياسة إعلامية منفتحة، فأقدم على فصل ملف الإعلام والاتصال عن وزراة الداخلية، وبرز على المستوى المؤسساتي كل من الناطق الرسمي باسم القصر الملكي، ووزارة الإعلام والاتصال، والهيئة العليا للسمعي البصري. كما ظهرت على الساحة جرائد مقاولة أو ما اصطلح عليه بالصحافة المستقلة، ساهمت بشكل كبير في نقل المعلومة للقارئ والرفع من مستوى وعي الجماهير.
واستمرارا لنهج التحرر تم منح مجموعة من التراخيص للعديد من المحطات الإذاعية، وكان حلم اتساع هذا الانفتاح، كبيرا ليشمل المزيد من محطات إذاعة القرب، وإنشاء قنوات تلفزية جهوية، تقترب من هموم الشعب اليومية، وتساهم في تثقيفه وتنويره. لكن سرعان ما تبدد الحلم وانحصر ، تبعا للأجواء السياسية وما أفرزته ظروف ما بعد أحداث 16 ماي ، وانتقال الحزب السري "حزب الأصالة والمعاصرة " إلى العمل العلني المباشر.
في المقابل تمخض عن حالة التضييق على مجال الحريات والصحافة - من خلال المنع أوالتوجيه والتحكم في المستشهرين تارة ، أو بإصدار أحكام بغرامات مالية خيالية في حق بعض الصحف تارة أخرى- أشكالا جديدة مغايرة في التعبير والممارسة الإعلامية، فظهر الإعلام البديل كشكل من أشكال إعلام الأزمة.
ثانيا: أدوار الإعلام البديل في الانتقال الديمقراطي بالمغرب.
تمكن الفاعلون الجدد في ساحة الإعلام من مدونين وصحفيي الإعلام الإلكتروني، ومناضلي المنظمات الحقوقية والمدنية، بالفعل من كسر جدار الصمت والقيام بأهم وظيفة للإعلام، وهي إتاحة وتوفير بنك المعلومات بشكل كافي وفي الوقت المناسب.يقول الدكتور المهدي المنجرة : "إننا عندما نتحدث عن نظام دولي جديد، في مجال الإعلام لا ينبغي أن نتعامل معه على كونه تناقل لقصاصات وكالة الأنباء، وبث للبرامج الإذاعية والتلفزية. فهذا الجانب في غاية الأهمية من الناحيتين السياسية والثقافية، لكي ينبغي أن نضيف إليه جميع المشاكل المتعلقة ببنوك المعطيات وتدفقها عبر الحدود ، التي هي مشاكل جوهرية لعالم اليوم وعالم المستقبل "(10) ومن المؤكد أن الوسائط الإعلامية المتاحة اليوم، ساهمت في صناعة الآراء والأذواق الجديدة، بعيدة عن وسائل الاتصال المألوفة والرسمية.
وأول ظاهرة تلفت الانتباه في هذا الصدد، هي التطور الهائل لمواقع الإعلام الإلكتروني، وتزايد عددها ومتصفحيها. كما شهدت جل الأقاليم والجهات المغربية، بوابات الكترونية إخبارية وتحليلية، تناقش الشأن المحلي، وتجعل من أحداثه مواد دسمة للتحليل وإبداء الرأي بين رواد تلك المواقع. ومن جهة أخرى برز المدونون وكتاب الرأي بشكل باهر، حيث لا تخلو جهة من جهات المملكة من أقلام وكتاب وإعلاميين هواة، يشحذون أقلامهم، ويقدمون تحليلات قيمة سياسية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية. كما أن ظاهرة التعليق على الخبر الإلكتروني لا تخلو من فائدة ومن تنامي البعد التفاعلي مع ما يقدم، رغم ما يعاب على بعضه من عبارات الإساءة وسوء الأدب . دون أن ننسى كذلك تزايد أعداد متصفحي المواقع الإلكترونية، ومواقع تبادل الفيديوهات، والتي تعبر عن ٍالرأي العام الذي يتبلور خارج منطق الاحتواء، بحيث يسير هذا الاتجاه الجديد نحو تثمين المعلومة، والحرص على تلقيها بشكل مباشر، من مصادرها الأولية، ، بعين متبصرة وروح نقدية، ومتشككة فيما يقدمه الإعلام الرسمي الموجه أو الحزبي المؤدلج.
على سبيل الختم
إن تطور أشكال التعبير والكتابة، واستمرار الوسائط الإعلامية وتطورها بشكل كبير وملفت في هذا الاتجاه، لمن شأنه أن يجعل من مسألة تحرير الإعلام الوطني، واقعا صداحا، وفعلا لا تنظيرا وانتظارا ، وممارسة يومية يساهم الكل في صنعها. وهي مسألة لا محالة لها رجع الصدى على سلوك السلطات العمومية، والتي ينبغي لها أن تواكب الثورة المعلوماتية، وتطور وسائل الاتصال، بمزيد من الانفتاح السياسي والتحرر الإعلامي. وبالتواصل المباشر للمسؤولين مع المواطنين بشكل مباشر لم لا ؟ من خلال الإجابة عن استفساراتهم وتتبع ملفاتهم. وهو أمر متيسر لتعزيز الشفافية وترسيخ دولة الحق والقانون، من خلال الحكومة الإلكترونية ، وتقديم البرامج التلفزية الحوارية الصريحة، والبعيد عن لغة الديماغوجيا التي لا تجدي نفعا، ولا تبلغ مرادا في ظل التطورات الإقليمية والدولية الحالية.
ياسين الضوو
وحرر ببني ملال بتاريخ 23 أبريل 2011.
المراجع:
(1) دليل الصحافة المستقلة ، ديبرا بوتر ص 4
(2) حديث النهايات ، علي حرب ص 175
(3) نفس المرجع
(4) الفجوة الرقمية رؤية عربية لمجتمع المعرفة ، د نبيل علي و د نادية حجازي ص 165
(5) نفس المرجع
(6) نفس المرجع
(7) حديث النهايات ، علي حرب ص 175
(8) نفس المرجع
(9) العولمة وأزمة الدولة الوطنية، نزار الفراوي ص 112
(10) حوار التواصل من أجل مجتمع معرفي عادل ص 24
الأربعاء، 20 أبريل 2011
نظرة في قضية الحاكم العربي
تبعثرت الأسئلة والأجوبة معا في قضايا الحكم العربي ، لم يعد الأمر انزعاجا من تهديد متربص بالخارج، ولا رهبة من تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي بالداخل.بل أضحى ما اعتبرناه يوما حكما بالإجبار وبمنطق الشوكة والغلبة، فعلا دمويا رهيبا. فصار إذعان الشعوب الطوعي لرؤسائها ، نارا تلتهب ،كلما أمعنت هاته الشعوب جيدا في واقعها ، وألحت على تغييره. فما هي إذن تفاصيل مسرحية الكرسي والحاكم العربي؟ وما حقيقة الحب الذي نما بداخلهما؟ هل تشبه في فرجتها قصة الغرام الذي جمع قيس وليلى ؟أهي الغواية التي مارسها الكرسي على جالسه، فافقده النضج العقلي ، والتوازن الفكري والعاطفي؟حتى عات في الأرض خرابا ، وفي الشعب فسادا….
أهي الشعوب نفسها من صنعت من حاكمها صنما، وبجلته تقديسا، وأفردته طقوسا طوطمية لا تنتهي، حتى غذا إلها يعبد من دون الله ،يأمر فينفذ أمره، يرعي ويزبد، يعفو ويصفح ، يغني ويفقر….ولله فيما خلق شؤون لا يعلمها إلا هو.
أوهمنا الحاكم العربي سنين،أشياءا متعددة ، وعادات متكررة، وحكايات مبتسرة. فمرة باسم الوحدة الوطنية أفقدنا ثروات في ثروات،ومرة باسم التصدي للعدو الصهيوني ، مارس فينا تهمة التخوين كلما ارتفعت حناجرنا منادية بضرورات الإصلاح، ومرة باسم الدولة الإسلامية ، مزق أوطاننا شمالا وجنوبا……. فكان منهم من لا يستحيي في نعتنا بالجرذان،وآخر بالإرهابيين المتوحشيبن. ما الذي يجري أمامنا؟ أهي الرويبضة التي أخذت مفاصل الحكم منا اغتصابا،أم أن الحكم هو من أخذهم منا ، فأصبحنا أمام كائنات لم نعد نعرفها، تستبيح دماءنا ، وترمي القذارة في وجوهنا….
ما قصة الفساد الذي يتشابه من بلد عربي لآخر؟ وكيف يستكين الحاكم العربي المسكين إلى أمور الحكم وقضاياه وانشغالاته،وكيف فهم قصة كرسي العراق وتراجيديا يومياته الدموية؟ أكانت حساباته في الإطمئنان لإرادة الخارج لاستدامة جلوسه؟حتى نسي الشعب وخدمته، والناخب وإراته ، صمت الآذان إذن وعميت القلوب عن سماع الحق وأهله.
لقد كان المشهد العربي إلى وقت قريب ، ساحة خضراء تسر نظر حكام الجبر العربي. كان جسدا لا يتألم،أفواها لا تتأوه،كان بمنطق العسكر والمخبر يسير، فكل شيء تمام في الضبط والتحكم. انتشر الأمن العربي بتنسيق غير مسبوق ، وبخطة استراتيجية محكمة تسير في الاتجاه ذاته ،هي النقطة الوحيدة في جدول الأعمال التي حظيت بالاتفاق والتنسيق والتعاون العربي الإقليمي، كان أبطالها وزراء الداخلية العرب، فكاد بعدها أوصار تنسيقا معمما شمل دعم ثقافة التفاهة ، ونشرالغوغائية والانحلال من خلال العمل المشترك العربي لوزراء الإعلام.فكان ما كان.
انقلب الوضع العربي رأسا على عقب،كأنما اهتز العرش من تحت أقدام جان مارد، لا حدود لرغباته. برهة صار ما اعتبرناه في حكم المستحيل،واقعا صداحا ، وينبوعا رقراقا يسقي الجداول والحقول،نعم لقد امتد الخير العربي، وخرج القمقم غير آبه بأغلاله ،وغير مستكين لجراحه وندبه.صارت الثورة وأحاديثها بلسم الشعوب التواقة للتحرير، وكأنها خرجت من رحم الاستعمار أو تكاد، أضحت ترياقا يعالج ضيق حالها، طاقة تدفع في بناء حضارتها من جديد. فعاد الحكم إلى الحاضنة الشعبية ، بعد أن اتهمت بالشعبوية. وكأن الزمن يتكرر،في سنن الله في الكون التي لا تتغير. هي سنة ،خلق الله الناس عليها ،لا تبديل لخلق الله.
لقد أعذر وأنذر،وحكم ونظر،مؤرخنا الكبير ابن خلدون لما تأمل واقع حال من أمروا وأتمروا،وكانوا ثم صاروا.حدثنا عن مآلات فساد الحكم وأهله،في ظلمه وترفه،لم نع حينها ما كان يتحدث به،ولمن كان يوجه كلامه. نسيينا هذا الشيخ، ورحنا نتذوق ترانيم وصلوات ميكافيلي، وننفذ عظاته حرفا بحرف،سطرا بسطر.
هي معجزة القرن إذن، مفادها أن للظلم نهاية، وأن قصص الظالمين ومصائرهم متشابهة ، في الحال والمآل، وأن للمظلوم دعوة لا ترد ، ليس بينها وبين الله حجاب، فاتعظوا يا أولي الأبصار.
وحرر يومه الأربعاء 20 أبريل 2011 ببني ملال
الجمعة، 15 أبريل 2011
نظرة في قضية الإنسان العربي
في خضم الاحداث التي يشهدها عالمنا العربي ،من ثورات شعبية بطابع سلمي ضد الحكام المستبدين،بعضها اتخذ أشكالا دموية ، فرضت عنوة على إرادة الشعب، كما حدث في ليبيا الجريحة. ومع تعالي الأصوات هنا وهناك ،مطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية،ومع تدحرج هذا الحراك السياسي ، والثقافي على امتداد الوطن العربي،من قطر لاخر، ومن فئة اجتماعية إلى اخرى حيث تميزت الثورات في بدايتها بطابعها الشبابي لتنظم لاحقا ، النساء والرجال والأطفال.
أمام هذا الزخم الكبير ، والتضحية بالدماء المخضبة، وكأن ضريبة الدم، شرط لازم لتحقيق التفاهم أو الاندحار ما بين الكرسي وأهله. لقد أعاد الشعب العربي إلى حدود اللحظة في كل من مصر وتونس واليمن وليبيا اكتشاف نفسه من جديد، معرفته بنفسه ،بقيمه ومثله، وأعاد اللحمة الرابطة بين عناصره والتي أتلفها الاستبداد، وعيرتها العولمة.هي إعادة اكتشاف المعدن الأصيل في هذا الانسان الذي لا يشكل استثناءا عن بقية البشر في هذا الكوكب، فلم يعد العربي رديف الصفر وحامله،ولا هو ذاك اللاهث وراء اللذة وحب النساء،ولا المرتبط في مخيال الغرب بالعمليات الانتحارية ، ورزع الإرهاب في العالم. تبددت الصورة النمطية التي بناها الاستبداد من داخل هذه الأوطان وزكتها القوى الاستكبارية العالمية، حتى أضحت التفاهة ثقافة،والامتاع جنسا، والإعلام دعاية.
لقد سرق الحلم العربي في بناء الوطن الكبير ، بعد أن تعاون الأشقاء وتازروا خلال محنتهم ضد الاستعمار، وكان حلم المستقبل المشترك، يراود الرواد الاوائل من القادة والمفكرين ، قسال لأجله المداد، وفي طلبه خطت تجارب وتجارب، وبالرغم من التهديد الذي يتربص بنا كل حين،من الصهيونية الجارفة التي تستفز في أبناء الوطن العربي العقيدة والهوية والكينونة، لم ننفعل إزاءها إلا احتراقا، ولم نزدد في التصدي لها إلا تشردما.
الهبت الاعتصامات والمظاهرات عواطف الجماهير، واججت المشاعر ,وكانها للمرة الأولى ، اختلط فيها الفرح بالبكاء، ومشاعر الارتباط بالوطن بالحرص على الحفاظ على مصالحه،فكان البكاء الشديد لحظة الإحساس بالتهديد المباشر لمصالح الوطن العليا، وانبثق الفرح العارم إثر تنحي رئيس هنا أو هناك.
لا أخفي القارئ الكريم سرا عما انتابني من شعور ، وقد انتاب جل المغاربة دون شك ، لما أحسسنا الخطر القادم من أزمة “مخيم إزيك” بمدينة العيون المغربية. وهي أزمة ولله الحمد انتهت بأقل قدر من الخسائر في الارواح والممتلكات. كم قلقنا ، وتالمنا ، وكاتبنا وتحاورنا، وخضنا لاجل الوطن حروبا الكترونية، ومسيرات وحدوية. أتصور والحالة هاته ، مشاعر الشعوب المنتفضة الآن ، وقلقها على مستقبل أوطانها واولادها.
أمام كل هاته الأحداث ،يلزمنا أن نسائل انفسنا عن ما هي قضية الإنسان العربي الأولى؟
وكيف يواجه لأجلها ،الآلة الجهنمية للقمع والتفقير، والاستعباد والتحقير؟ وكيف حدث أن سلبت إرادة الشعوب طيلة هذه المدة غير اليسيرة؟ وما السر وراء اندلاع هذه الانتفاظات ، في زمن الذلقراطية على حد تعبير كاتبنا الكبير البروفسور المهدي المنجرة؟ .وهل هي معركة الكرامة فعلا؟ وما ضمانات عدم الارتداد إلى زمن العبودية ؟ هل يتم ذلك بالإصلاح السياسي ، وبتغيير دستور هنا أو هناك؟ هل بتضمين فصوله مبادئ حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا، وفصل السلط، ودسترة اليات الرقابة والمحاسبة؟ أم أن الأمر أعمق من ذلك؟
ثم ماذا أعد الفكر العربي الإسلامي لهذه اللحظات من زاد معرفي تنويري، ومشاريع اقتصادية وسياسية وإنمائية رائدة؟ فكيف يمكن أن تستوعب هذه الشعوب حجم التعيير الهائل التي ستقدم عليه؟ هل يمكن ان نسلم بما يقال عن فترة انتقالية قادمة متسمة بالاضطراب ، كضرورة تاريخية لتحقيق التراكم المرغوب في الانتقال من فصل إلى فصل، وهل هذا الامرمسالة حتمية؟ أليس مثل هذه المقولات من باب زرع اليأس من التغيير ومن الحراك العربي الكبير؟.
والفضل يرجع دون شك، للتطورات التي شهدها العالم جراء ظهور تقنيات الاعلام والاتصال،في تأجيج هذا الحراك السياسي من جهة ،ومن جهة أخرى لعبت ظاهرة العولمة بتجلياتها الفكرية والاقتصادية ،أدوارا مهمة في توسيع دوائر الانتفاظات،على امتداد وطن عربي ممزق ، يختلف على أي شيء ، وفي كل شيء. إلا في واقعه السياسي والاقتصادي والاجتماعي المتردي. ففيه كل البلدان العربية تتشابه من حيث حجم الفساد واستفحاله، وفي مأزق الحكم وتلابيبه،وفي فزاعات الارهاب وأسراره، كما في ولع حكامه بالكراسي حد الجنون.
عولمة الصمت
أكيد أن التعبير والكتابة يشكلان مخاضا هاما، وصراعا مريرا أمام عولمة الصمت، واجهة للتحدي وإثبات الذات، إنه الظهور بدل الضمور،البداية بدل العدم، الإنارة مكان العتمة، فالكتابة إذن هي ذلك التحويل الذي نمارسه على أفكارنا لتخرج من لا وجوديتها فتتولد.تتولد الأفكار والمعاني بظهور الجمل والحروف.إنها عملية الدفع بالحس الداخلي، وبالتشوش العقلي إلى مظهر من مظاهر الانتفاضة الخارجية.
تأتي هذه المقدمة البسيطة لتمهد لنا الحديث عن أزمة تحلق حولنا،تطوقنا بأحزمتها الممتدة في الماضي والحاضر،أزمة جعلتنا أشبه بالعجزة المهمشين في ساحة العلم والحضارة،وبالتالي أزمة الوجود هاته هي أزمة كتابة .
تكمن هذه الإشكالية الوجودية،والتي قصدنا من خلالها ربط الكتابة بالوجود[i] – ونحن لا نبالغ إن أقررنا هذا- منطلقين من أن أهم مؤشر تعرف به الحضارات وتبني من خلاله تراكماتها،هو فعل الكتابة. فبه تستمر هذه الحضارة أو تضمحل تبعا لإرادات أصحابها ومساهماتهم بالسلب أو بالإيجاب، ومستندين في تبنينا لهذا الرأي لمسلمة مفادها “إن الوجود الإنساني على هذه البسيطة هو وجود حضاري بالدرجة الأولى، فإما أن نكون أو لا نكون”
إن اللغة حاملة فكر، والتخاطب دال على القدرة على توظيف اللغة في خدمة هذا الفكر، والكتابة هي حالة تسجيل للخواطر والمقولات التي أبدعت لتشهد على هذا الفكر إما بالنقد أو التأويل أو التطوير، فينمو الفكر وتسمو موضوعاته، هذا بالإضافة إلا أن ما تراكمه الحضارات من كتابات يشكل منطلقات لها،في تجديدها وتنقيحها وتنميتها ،فيربط بذلك الماضي بالمستقبل ، ويقع الاتصال مكان الانفصال بين أجيال عدة، متعاقبة في الزمن أو متباعدة.
تأتي هذه المقدمة البسيطة لتمهد لنا الحديث عن أزمة تحلق حولنا،تطوقنا بأحزمتها الممتدة في الماضي والحاضر،أزمة جعلتنا أشبه بالعجزة المهمشين في ساحة العلم والحضارة،وبالتالي أزمة الوجود هاته هي أزمة كتابة .
تكمن هذه الإشكالية الوجودية،والتي قصدنا من خلالها ربط الكتابة بالوجود[i] – ونحن لا نبالغ إن أقررنا هذا- منطلقين من أن أهم مؤشر تعرف به الحضارات وتبني من خلاله تراكماتها،هو فعل الكتابة. فبه تستمر هذه الحضارة أو تضمحل تبعا لإرادات أصحابها ومساهماتهم بالسلب أو بالإيجاب، ومستندين في تبنينا لهذا الرأي لمسلمة مفادها “إن الوجود الإنساني على هذه البسيطة هو وجود حضاري بالدرجة الأولى، فإما أن نكون أو لا نكون”
إن اللغة حاملة فكر، والتخاطب دال على القدرة على توظيف اللغة في خدمة هذا الفكر، والكتابة هي حالة تسجيل للخواطر والمقولات التي أبدعت لتشهد على هذا الفكر إما بالنقد أو التأويل أو التطوير، فينمو الفكر وتسمو موضوعاته، هذا بالإضافة إلا أن ما تراكمه الحضارات من كتابات يشكل منطلقات لها،في تجديدها وتنقيحها وتنميتها ،فيربط بذلك الماضي بالمستقبل ، ويقع الاتصال مكان الانفصال بين أجيال عدة، متعاقبة في الزمن أو متباعدة.
إن عالم اليوم يشهد أكثر التحولات تأثيرا على حياة الناس وأنماط تفكيرهم، ولئن استخدم الإنسان الآلة لتخفف أعباء الحياة عنه وترفهه،وأبدع الوسائل حاجة منه إلى تحسين ظروفه وأوضاعه، فإننا نرى أن هذه الوسائل عينها أصبحت تتحكم في سلوكيات وتوجهات هذا الإنسان وتحدد مصيره، مما يهدد بشكل مباشر مقولات الحرية والإرادة ،ويجعلها طوع هذه الوسائل. وبشكل أكثر وضوحا نقول: إن مؤسسات الهيمنة السياسية والاقتصادية الدولية،تستثمر كل أشكال التواصل والتعبير والإغراء، وتتفنن في نماذج تمويلها،قصد إحداث تحولات جذرية وسريعة على المجتمعات، وهذه التحولات تمس الحضارة بشكل عام كأنماط التفكير واللباس والأكل والمعمار ونظام الأسرة وعلاقات التكافل والتضامن والتربية والتكوين……الخ . فتحدث شروخا ثقافية هائلة،ويصل التأثير بطبيعة الحال إلى الكتابة . وإلا فبم نفسر ضمور الكتابة في عالمنا العربي اليوم، واستفحال أزمة سوق الكتاب والقراءة،خصوصا حينما نلحظ الغليان الشعبي، وتعدد الإشكالات ،وتعقد الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية،أي وجود دواعي كثيرة للكتابة .
إنها حالة من الإنحباس الحضاري والثقافي، تشهدها الأمة اليوم مما يستدعي ضرورة معالجتها بالخروج من مؤامرة الصمت العالمية التي أريد لنا أن ننخرط فيها ،بل وأن نصبح يوما ما من دعاة “عولمة الصمت”.
حرر يومه المرادف ل21 أبريل 2004
[i] المقصود بكلمة كتابة هنا معنى “الحضور”
إنها حالة من الإنحباس الحضاري والثقافي، تشهدها الأمة اليوم مما يستدعي ضرورة معالجتها بالخروج من مؤامرة الصمت العالمية التي أريد لنا أن ننخرط فيها ،بل وأن نصبح يوما ما من دعاة “عولمة الصمت”.
حرر يومه المرادف ل21 أبريل 2004
[i] المقصود بكلمة كتابة هنا معنى “الحضور”
الأربعاء، 13 أبريل 2011
دمنات من خلال ما كتب عنها
تفرض المدن العتيقة بالمغرب كفاس ومراكش وسلا ، إيقاع أحداثها التاريخية على المشهد الوطني والدولي من خلال الوثائق التي توفرها ، من مخطوطات وشهادات حية مدونة لأناس عاصروا الحدث، وكتابات باحثين في التاريخ ، وفي السوسيولوجيا السياسية ، و في مختلف الحقول المعرفية الأخرى، بحيث ساهم مجموعة من الباحثين ولا يزالون من خلال تعميق تخصصاتهم، في إثراء النقاش عن مدى مساهمات هذه المدن التاريخية في صنع التاريخ الوطني، و من خلال بحثهم العلمي الرصين عن أدلة تاريخية يحاجون بها غيرهم في ما توصلوا به من خلاصات واستنتاجات، تماشيا مع المنهج العلمي السليم في بسط أرائهم ومقترحاتهم.
وحاضرة دمنات كغيرها من المدن المغربية نالت نصيبها من هده الإحالات المرجعية ، إذ سيقت بذكرها الأقلام ، توخيا للمزيد من التفصيل و التعمق في سرد الوقائع التاريخية التي شهدها تاريخ المغرب المعاصر.
فإدا كان المؤرخ أحمد التوفيق في مؤلفه المجتمع المغربي في القرن التاسع عشر ، انولتان . طرز التاريخ الدمناتي من خلال ملامسته ومعاينته للعديد من المخطوطات التي كانت بين أيدي الأسر آنذاك، فجعل من كتابه وثيقة حية، ومرجعا للدارسين والدارسات في حقل التاريخ، الموغلة أعماقه، الموحشة صدفه، المتلبسة غيومه، والمشرقة آثاره.
حيث لا نكاد نجد مؤلفا في التاريخ المعاصر إلا ويستدل بهذا الكتاب، فهو مؤلف جعل من مدينة دمنات مادته الدسمة، و جسدا للتشريح التاريخي ، يجيب عن تساؤلات عدة تتوخى فهم التاريخ الوطني المغربي في كليته.
سنحاول من خلال هذه الورقة أن نتفادى التفصيل في عرض مضمون هذا الكتاب، والذي سنجعله موضوع كتابات لاحقة إن شاء الله. وأن نكتفي ببسط بعض الكتابات التي جعلت دمنات في موقف الاستدلال العابر ،بهدف توضيح فكرة هنا أو تزكية موقف هناك، وسنحاول من خلال الكتب التي بين أيدينا، رصد هذه الشهادات من خلال السياقات التي وردت فيها، والتي جعلت مدينة دمنات ووقائعها التاريخية مثالا، يذبج في بعض المؤلفات و المراجع.
المرجع الأول: كتاب أمير المؤمنين ، الملكية والنخبة السياسية المغربية للكاتب و الباحث الأمريكي جون واتربوري .
في سياق تحليله للأسباب التاريخية التي أفرزت انقسامات داخل حزب الاستقلال، وأدت إلى بروز الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وتشكله،وهي أسباب و سجالات سياسية، يتداخل فيها الموضوعي بالشخصي ما بين القيادتين التاريخيتين للحزب، كل من المرحومين علال الفاسي والمهدي بن بركة .
لقد عمد الباحت واتربوري من خلال الفصل التاسع الذي عنونه ب”انقسام النخبة الوطنية ” الصفحة 253 ،إلى الإحالة على ما ذكره علال الفاسي في كتابه “عقيدة وجهاد”على الشكل الآتي:
(.....يكمن السبب الأساسي في الانشقاق ،حسب علال الفاسي في قضية بنك الدمناتي ، ويتعلق الأمر بمشروع ترأسه الفقيه البصري، بجانب رجل الأعمال الكبير الحسين الدمناتي وعبد الكريم الخطيب، فتح هذا البنك المجال أمام الرأسمال الأجنبي ، فعارض قدماء الحزب هذا المشروع “الإمبريالي”، وقد ظل الجو معكرا من جراء هذه القضية بشكل ساهم في إفشال محاولات التصالح اللاحقة …). أنظر الصفحة 49/50.
المرجع الثاني: كتاب التحول المعاق، الدولة والمجتمع بالمغرب الحديث. لمؤلفه علي حسني
في الفصل الثاني من هذا الكتاب والذي عنونه الباحث ب "التوسع التجاري والتغلغل الأوروبي" ولكي يبرز أهم الطرق التجارية الداخلية لاقتصاد مغرب القرن التاسع عشر وفي فقرة الطرق التجارية الصفحة 130 استدل المؤلف بالآتي:
….(غير أنه لابد من التذكير بمراكز كانت تنافس هذه المدن التجارية الكبرى ، كصفرو بالنسبة لفاس، و دمنات وبني ملال بالنسبة لمراكش، وأبي الجعد بالنسبة للدار البيضاء، وتيسنت بالنسبة للصويرة…. والمدار التجاري الداخلي يظهر بوضوح، حينما ترتبط عدة مدن بمركز تجاري ، كمراكش وحولها دمنات، وبني ملال، وتزناقت...).
وفي موضوع أخر يتعلق ببيان أن حضوة القائد لدى المخزن المركزي تضمنه له هداياه ، يحيل الدكتور علي حسني القارئ إلى مخطوطة بالخزانة العامة رقم 1463 (320ك، ص 412) ذكرها الباحث محمد بن المصطفى المشرفي في كتابه الحلل البهية في ملوك الدولة العلوية وتضمنت الآتي:
)……ذكر المؤلف رسالة للوزير إدريس بن العلام مؤرخة برمضان 1308، يخبر فيها القائد الجيلالي الدمناتي أن البغلة المحملة بالهدايا والمتوجهة إليه، قد وصلته، وأنه قد استجاب لمطلب الجيلالي بعدم الزيادة عليه في عدد العسكر وغيره، وفي رسالة أخرى يطمئنه فيها بعد اتهامه بالتدليس في واجبات كراء حوانيت للمخزن بدمنات...)
وفي موضوع ذي صلة، دلل الباحث استنتاجاته بخصوص اختلاف درجة الروابط في علاقة القائد المحلي بالمخزن المركزي بحسب درجة الطاعة والولاء ، وإستراتيجية السلطة المخزنية آنذاك، حيث ذكر في المبحث الثاني المعنون : القائد والعامل الصفحة 73 ما يأتي بيانه:
(.... اختلفت درجة توطيد الحكم في كل منها ( القبائل) بحسب بعدها عن المركز ، فكان منها ما هو خاضع مباشرة لحكم عامل دمنات ونظره، وفيها تتمتل العلاقات بين المخزن والرعية بجميع مراحلها، وهي إنولتان ، ومنها ما هو إلى نظر خليفة من أسرة القائد وروابطه بالمركز في الرتبة الثانية من المتانة،وهي فطواكة ، ومنها ما هو مقر بالتبعية ، بعد عراك طويل مع تركه لشيوخه الذين يجمعون الواجب السنوي ، ويوصلونه لعامل دمنات ....).
وفي سياق أخر، ذكر المؤلف في الصفحة 75 في نفس الكتاب ، أثناء حديثه عن السلطة وتمظهراتها في المجتمع المغربي، ومن خلال صورة القائد لدى الناس، والإحالة هذه المرة على المؤرخ أحمد التوفيق في كتابه المشهور المجتمع المغربي في القرن الناسع عشر الصفحة 476 ما يأتي:
(.... من مظاهر الجاه، الأسرة الممتدة ،وهي تثبت النجاح في الجمع بين المال والبنون، فالقائد علي أوحدو قائد دمنات، وصل قمة التألق حينما اتسعت أسرته ، وأصبح له الأصهار من أرستقراطية دمنات، والعملاء من تجارها، واستعان بأولاده في ممارسته قيادته،فجعل واحدا منهم خليفة على غجدامة، وآخر على فطواكة ، وثالثا مكلفا بشؤون داره وأمواله بمراكش، أما أقرب الأولاد إليه ، وأكثرهم احتكاكا بالشؤون المخزنية، فكان هو الجيلالي خليفته بدمنات...).
وفي موضوع أخر، في الصفحة 61 من المرجع المذكور ، ويتعلق بممارسة النفوذ على القبائل من قبل خلفاء السلطان، ذكر المؤلف الآتي:
(....عين السلطان الحسن الأول المدني الكلاوي خليفة له على تافيلالت، وأهداه مدفعا من نوع “كروب” لم يسبق لأي قائد أن حصل عليه، ومن تم فقد استغل القائد تلك الترقية للاستيلاء على جميع القبائل التابعة لعمالة دمنات فيما وراء الأطلس ( دادس وتدغة) ...). و الإحالة هنا مرة أخرى على احمد توفيق.
المرجع الثالث: كتاب الفلاح المغربي المدافع عن العرش لكاتبه الفرنسي ريمي لوفو
في معرض حديث الكاتب عن النخب المحلية لما بعد الاستقلال ، وعن الطبيعة السوسيولوجية، والمكانة القبلية التي تتمتع بها هذه النخب، وخصوصا الأعيان منهم نجد ريمي لوفو في القسم الثاني ، تحت عنوان لمحة حول الجغرافية السياسية للمغرب الإقليمي ،وبالضبط في الفصل السادس، الجنوب والجهات الشبه الصحراوية الصفحة 139. نجد يوثق الشهادة التالية:
(...أما بانتقالنا إلى توما ، فقد فاز فيها بالمقعد الانتخابي فلاح متوسط الحال (30 هكتار)، وهو حليف أسبق للكلاوي ، وذلك على حساب رجل فلاح ، سبق وأن عين شيخا على نفس الفخذة بعد الحصول على الاستقلال، ننتقل الآن إلى دمنات، حيث إن الشيخ الأسبق بها (استمر بالمشيخة لمدة 30 سنة) ، وهو تاجر ذو ميول استقلالية ، بحيث كان مراسلا لجريدة العمل بدمنات،وكان نجاحه بهذا المقعد على حساب خلفه في نفس المشيخة ،(من 1956 إلى 1959)، وفيما يخص الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، فقد رشح باسمه فلاحا من صغار الفلاحين ، كان شريكا للفقيه البصري (المنحدر من نفس المدينة) في استغلالهما لحافلة كانت تؤمن المواصلات فيما بين جهات الدائرة....).
هذه إذن بعض الكلمات التي قيلت في حق مدينة دمنات من خلال الاستشهاد بالوقائع والأحداث التي مرت بها، وهي بطبيعة الحال تحتاج منا إلى المزيد من التدقيق والمعرفة الميدانية،حتى نثري معرفتنا التاريخية بدمنات ونغنيها.
الاثنين، 4 أبريل 2011
عن حقوق الإنسان بالمغرب
شهدت الحياة السياسية بالمغرب في أواخر التسعينات، حركية غير مسبوقة، توجت بتشكيل حكومة عبد الرحمان اليوسفي، وبإقرار مبدأ التناوب على السلطة، وبتعديلين دستوريين سنوات1992و1996.هده الدينامية، جاءت بعد انفتاح السلطة السياسية على ثقافة حقوق الإنسان،وإرادتها تعزيز الحريات العامة في البلاد.
ولاشك أن للمتغيرات الدولية، ولتطور منظومة حقوق الإنسان الدولية، الأثر الكبير في هدا التحول، فمطلب تحسين الصورة لدى المنظمات الأجنبية ،و الرغبة في الاندماج في السوق العالمية ،كانا حافزا قويا. تطلب ضرورة تقوية شروط ومناخ بناء اقتصاد ليبرالي، حر، وواعد.
كيف تطورت المنظومة الحقوقية بالمغرب ؟وما هي الآثار التي طبعت تجربتها، في مجال الطي النهائي للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، لفترة ما بات يسمى سنوات الرصاص ؟وهل بالفعل يمكن أن نتحدث عن دخول المغرب مرحلة تاريخية جديدة، تقطع مع السلوكات المشينة ومخلفات الماضي ؟وكيف يمكن أن نقيم هده التجربة ،وبأي زاوية ومنظور ؟وهل لامس المغاربة أثر التغيير على مستوى الحريات ؟على مستوى التمتع بالحقوق السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية ؟
أولا :حقوق الإنسان بالمغرب
1-السياق التاريخي
كما سبق القول تعزز المشهد السياسي الوطني بتطور مفاهيم حقوق الإنسان، ورغبة الدولة تحديث دواليبها في الاتجاه الديمقراطي ،بعد أن شهدت فترات الستينات والسبعينات من القرن الماضي، احتدام الصراع حول السلطة، ما بين الحركة الوطنية والقصر.
هدا الصراع التاريخي تولد بعد خلافات حزب الاستقلال في شكله الوحدوي الأول،-أو بعد حصول انشقاقات في صفوفه- خلافات حول مضامين دستور المملكة الصادر قبيل الاستقلال.
وبعض مخاض عسير وتغييرات دستورية متعددة جاء دستور 1996 ليشكل نقلة في الاعتراف بحقوق الإنسان، وتحولا نحو الانفراج. حيث جاءت ديباجته لتؤكد أن المغرب، يقر بحقوق الإنسان، كما هو متعارف عليها عالميا .
تلته انخراط الأحزاب المعارضة آنذاك، في مسلسل التناوب التوافقي. والقبول بالدستور، بعد أن كانت رافضة له، معتبرة طريقة وضعه أي الدستور الممنوح ،لا تليق و الأعراف الديمقراطية، وكان مطلبها أن ينبثق من اللجنة التأسيسية للدستور.
وقد كان من نتائج هده التطورات ،واعتلاء محمد السادس العرش .أن تأسست هيئة الإنصاف والمصالحة. وما تمخض من أعمالها وتوصياتها من تعويض ضحايا الاختطاف، والاعتقالات التعسفية .
2-أهمية حقوق الإنسان
تعتبر حقوق الإنسان من الأمور الجوهرية ،لاستمرار الكيانات السياسية. فهو يمس في العمق، جوهر نظمها وطبيعة الحياة الديمقراطية فيها ،إذ يمكن القول أن إشكالية حقوق الإنسان في مجتمع ما، هي إشكالية التنمية ذاتها. فلا يمكن الحديث عن تنمية دون تمتع بالحريات والحقوق، لفاعل التنمية ذاتها ومحورها، ألا وهو الإنسان.
ولاشك أن هدا الموضوع ،هو الأكثر ارتباطا بالتفاعلات السياسية، وبالسياقات التاريخية، والفكرية ،والتي أفرزت أشكالا وألوانا من ممارساته، فنحن إزاء مفهوم قابل للتمدد والانكماش، بين لحظة وأخرى. تبعا لتأثير المناخ الفكري والثقافي والسياسي والاقتصادي المؤطر له .
ثانيا : التجربة المغربية بين الواقع والآمال
توج مسلسل تعزيز دولة الحق والقانون بالمغرب بمراجعات قانونية مهمة، شملت إعادة النظر في الترسانة القانونية ،التي نتوفر عليها ومحاولة تحيينها، كالقانون الجنائي، ومدونة الأسرة، والقانون التجاري …..الخ.
وعلى مستوى الخطاب الرسمي تؤكد مجمل التصريحات الحكومية أن الدولة، ماضية نحو تعزيز الحريات والحقوق، للمواطن المغربي –حق الشغل، حق الإضراب، حرية تأسيس الأحزاب والجمعيات ….الخ- والمضي نحو ديمقراطية المؤسسات والهيئات العمومية.
1-أية حقوق؟
إن حقوق الإنسان الرسمية ،غالبا تنزع وراء الحقوق الفردية للمواطن، والتي تهم مسائل، من قبيل المساواة ،الحرية ،احترام الآخر ،الملكية ….الخ.إنها حقوق لا يشكل الاعتراف بها أي عبئ على الدولة وميزانيتها.
في حين يغيب الإقرار بمسؤولية الدولة اتجاه مواطنيها ،بتوفير الحد الأدنى من العيش الكريم ،أي توفير حقوق، تهم صميم إشكالات المجتمع ومعاناته،كحق الشغل : ضمانه وتوفيره .والحق في الصحة العمومية: كإنشاء المؤسسات الصحية اللاممركزة وتوفير خدمات مجانية .والحق في التعليم: بإصلاح التعليم العمومي ،والرقي به والاعتناء بجودة خدماته……..الخ.
ويبقى أن نشير إلا أن التغيير الحقيقي هو الذي يحتم تبني هده الخيارات الحقوقية والديمقراطية، كخيارات إستراتيجية لا محيد للفاعل السياسي له بها .لا كبرامج تكتيكية، تتوخى تدبير الأزمات ،وفض المشكلات التي يواجهها النظام السياسي بين الفينة والأخرى .
2-حقوق الإنسان بالمغرب : قراءة نقدية
بالرغم من التأكيد المتجدد للسلطات العمومية على ضمان الحقوق والحريات، وتعزيزها في جميع البرامج الحكومية، وفي مختلف القطاعات كالعدل، والشرطة، أومن خلال تسطير برامج للتربية على حقوق الإنسان.
إلا أن الهوة بين النظر والواقع، ومابين الخطاب والممارسة، تتسع يوما بعد يوم .
فالمتتبع الناقد للشأن المغربي لا يسعه إلا الاعتراف بالكم الهائل من النصوص والتشريعات الجديدة، والتي مست الحياة الحقوقية المغربية، وكدا كثرة المنتديات واللقاءات المهتمة بهده التيمة ، وفي نفس الوقت ينظر إلى حجم الخروقات والانتهاكات، التي طبعت المرحلة .
فبالجزم ليس مغرب اليوم كالأمس ،حيث يمكن التعبير والتطرق في كافة الموضوعات، دون إمكانية الفعل والتأثير.
اد يبقى للسلطة السياسية،ننن الحسم النهائي في كل القضايا الاجتماعية، والسياسية ،والاقتصادية. مما يفرغ المقاربة التشاركية من روحها.
هدا ويعد غياب المواطن في كثير من الأحيان، عن مراقبة ممثليه، أو من خلال عزوفه عن المشاركة السياسية، والدي يعد الامتناع عن التصويت في الانتخابات إحدى تجلياتها ،وعجز الهيئات السياسية والنقابية على أن تعكس الوجه الحقيقي لأزمات الإنسان المغربي،ن مع معيشه اليومي،وأمنه الاقتصادي،وحقوقه الاجتماعية .
إن سقف الحريات والحقوق في المغرب ،محدود. ومطبوع بتوجهات الدولة، وإشاراتها الخضراء، بين الحين والآخر ،ولعبة التنديد بالانتهاكات ،والتعليق على التقارير السنوية، من طرف الجمعيات الحقوقية المغربية ،لعبة مكشوفة. تنم عن ابتزاز سياسي، تمارسه هده الهيئات، ضد الدولة.وتمارسه الدولة ،بالمثل وبشكل آخر، من أجل تلميع صورة المغرب لدى المنظمات الدولية، والتمكن من الحصول على دعم الدول الغربية. ليبقى المواطن البسيط، بعيدا عن إحقاق حق، أو تنحية باطل .
إن الاعتراف بحقوق المواطنة ،الإقرار بالمساواة أمام القانون ،تفعيل فصل السلط ،اقتسام الثروة ،كلها أدوات قادرة على أن تسرع من تطور المجتمع ونمائه،ورقيه ورخائه،لكن كإرادة جماعية دافعة ،ينخرط فيها الجميع دون إقصاء أو حيف .وتوجه في الاتجاه الأمثل ،دون انتظار إملاءات أو توجهات المنتظم الدولي ،فالكرامة تبدأ من الأنا.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)